جمع جيوشه من أهل الحوطة والحريق فبلغوا مع من كانوا في ضلع علية ألفا وخمسمائة مقاتل. اجتمعوا في ماوان على مسافة عشر ساعات من الخرج وأسروا فوصلوا إلى الدلم قبل انبثاق الفجر، وكان ابن الرشيد قد نزل في نعجان على مسير ساعتين من البلدة، فلم يدر بدخول ابن سعود إليها، على أنه في عصر ذاك النهار أرسل سرية مستكشفة فخرجت لها خيل ابن سعود، فتهاجم الفريقان وتطاردا، فانهزمت خيل ابن الرشيد.
كثيرا ما تكون الحرب عند العرب مناورات ومجاولات، وهم قلما يسارعون إلى الملحمة التي تطيح فيها الرءوس، ولكنهم يسيرون إليها على طريقتهم سير الهون، وهم يغزون، ويعتزون، ويناوشون، ويتقهقرون. أما إن الحرب خدعة فكلهم يعرفون الآية ويؤمنون بل يعملون بها.
في فجر اليوم التالي راح ابن سعود يكمن لابن الرشيد، وكان قد علم أن من عادته أن يخرج وبعض رجاله صباح كل يوم، فيطوفون في البساتين يرعون إبلهم ويقطعون النخيل. وكأن ابن الرشيد أحس أن خصمه في الدلم فلم يخرج كعادته باكرا، فأرسل ابن سعود خيالة مستكشفين، فعادوا يقولون: إنه متحصن في نعجان. ولم يكن لابن سعود أن يهجم عليه في النهار؛ لأن خيله قليلة؛ ولأن الهجوم يبعده عن الحصون.
على أن الكشافة لم يصدقوا أميرهم الخبر؛ لأنهم لم يصلوا جبنا أو جهلا إلى مكان الاستكشاف؛ فبعد أن عاد ابن سعود إلى البلدة بلغه الخبر أن ابن الرشيد قد خرج على عادته يجول في النخيل، فبادر بقسم من جيشه إليه.
وكانت المواجهة الأولى بين العزيزين خارج الدلم وسط النخيل. تواجها واحتربا، فكانت الوقعة شديدة، واستمرت ست ساعات حتى غروب الشمس، ولكنها لم تسفر عن شيء كبير. فقد أسر رجال ابن سعود جماعة من رجال ابن الرشيد يدعون بأهل لبدة فحصروهم في القصر، ففروا منه في المساء. وطارد ابن سعود ابن الرشيد فتقهقر إلى معسكره.
لم تكن الذخيرة متوافرة عند ابن سعود فنفدت أو كادت في تلك الوقعة، فأرسل يطلب قسما من الحوطة. أما ابن الرشيد فشد في اليوم التالي الرحال وسار جنوبا إلى أسفل الخرج، فنزل السليمية التي تبعد ست ساعات عن الدلم، فتقفاه ابن سعود بعد وصول الذخيرة ونازله في السليمية فأخرجه منها.
ولكنه لم يتمكن من تعقبه فإدراكه؛ لقلة خيله وركائبه، ولكثرتها مع ابن الرشيد. فقد كان جيش الشمري مؤلفا من أربعة آلاف ذلول وأربعمائة خيال، بيد أن الجيش السعودي لم يكن يتجاوز الألفين ولم يكن فيه غير أربعين من الخيل، ومع ذلك فقد انهزم ابن الرشيد في الخرج، وثبتت سيادة ابن سعود فيه، بل في النواحي الجنوبية كلها.
الفصل الرابع
الاستيلاء على القصيم
لم يغير فوز ابن سعود في الخرج موقف الترك تجاه ابن الرشيد وابن الصباح، فظلوا يجافون هذا ويعللون ذاك بالوعود. ومع ذلك فقد عاد ابن الرشيد إلى الحفر بعد تلك الهزيمة واستأنف الغزو، فأغار على عريبدار قرب الكويت، وعلى سبيع في الدهناء، وعلى عتيبة قرب الأرطاوية،
Page inconnue