الأرض، وأمره أن يعمل السفينة التي نجاه الله وأهله فيها، وأن يجعلها ثلاثة بيوت سفلا ووسطا وعلوا، وأمره أن يجعل طولها ثلاثمائة ذراع بذراع نوح، وعرضها خمسين ذراعا، وسمكها ثلاثين ذراعا، ويصير حواليها رفوف الخشب، ويكون البيت الأسفل للدواب والوحش والسباع، ويكون الأوسط للطير، ويكون الأعلى لنوح وأهل بيته، ويجعل في الأعلى صهاريج الماء، وموضعا للطعام. فولد له بعد أن أتت عليه خمسمائة سنة.
ولما فرغ نوح من عمل السفينة، وكان ولد قابيل، ومن اختلط بهم من ولد شيث، إذا رأوه يعمل الفلك سخروا منه، فلما فرغ دعاهم إلى الركوب فيها، وأعلمهم أن الله باعث الطوفان على الأرض كلها حتى يطهرها من أهل المعاصي، فلم يجبه أحد منهم، فصعد هو وولده إلى مغارة الكنز، فاحتملوا جسد آدم، فوضعوه في وسط البيت الأعلى من السفينة، يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من آذار، وأدخل الطير البيت الأوسط، وأدخل الدواب والسباع البيت الأسفل، وأطبقها حين غابت الشمس.
وأرسل الله الماء من السماء، وفجر عيون الأرض، فالتقى الماء على أمر قد قدر، وأخذ الأرض كلها والجبال، وأظلمت الدنيا، وذهب ضوء الشمس والقمر، حتى كان الليل والنهار سواء، وكان الطالع في ذلك الوقت الذي أرسل الله تعالى فيه الماء، فيما يقول أصحاب الحساب: السرطان، والشمس، والقمر، وزحل، وعطارد، والرأس، مجتمعة في آخر دقيقة من الحوت، فاتصل الماء من السماء والأرض أربعين يوما، حتى علا فوق كل جبل خمس عشرة ذراعا، ثم وقف بعد أن لم تبق بقعة من الأرض إلا غمرها الماء وعلاها.
ودارت السفينة الأرض كلها حتى صارت إلى مكة، فطافت حول البيت أسبوعا، ثم انكشف الماء بعد خمسة أشهر، فكان ابتداؤه لسبع عشرة ليلة خلت من أيار إلى ثلاث عشرة ليلة خلت من تشرين الأول.
وروى بعضهم أن نوحا ركب السفينة أول يوم من رجب، واستوت على
Page 14