وهذا البرهان تأليفه هكذا: (21 و) [ 31 و] إن كانت حركة السماء الأولى مختلفة غير مستوية، فإنما يكون ذلك بأحد أمرين: إما أن تتغير كلها فتكون حركتها بأسرها مرة أسرع ومرة أبطأ. وإما أن تتغير أجزاؤها فتكون أجزاؤها مرة أسرع أيضا ومرة أبطأ، لكنها لا تتغير أجزاؤها ولا كلها، فالسماء إذن ليست حركتها مختلفة ، فاما أن أجزاء السماء الأولى غير مختلفة في السرعة والبطء، فإن ذلك يؤخذ من الحس ومن الارصاد المتقدمة. وذلك انها لو كانت مختلفة لاختلفت الأبعاد التي بين الكواكب الموجودة فيها على قديم الدهر وطويل الزمان، أعني أن الكواكب الثابتة والأبعاد التي بينها لم يزل الرصاد لها (أبدا) يثبتون أنها واحدة بعينها على قديم الدهر ومرور الأيام. واما ان السماء الأولى لا تتغير بكليتها فإن ذلك يبين بأنه لو كان ذلك كذلك لكان لحركتها شدة، ولو كان لحركتها [ 21 ظ : ع] شدة لكان لحركتها استرخاء ، لكن ليس لها استرخاء فليس لها شدة . فاما انه ليس لحركتها استرخاء، فإن ذلك يبينه بمقدمات ثلاث: إحداها أن الاسترخاء ضعف. (والثانية أن الضعف أمر عارض وخارج عن الطبع). والثالثة أن الأعراض الخارجة عن الطبيعة شبه الكبر والهرم لا يلحق السماء. فأما أن الاسترخاء ضعف فهو أمر بين بنفسه. وكذلك كون الضعف أمرا عارضا خارجا عن الطبيعة هو أيضا أمر بين بنفسه. واما ( ان) الجرم السماوي لا تناله العوارض الخارجة عن الأمر الطبيعي فذلك يبين بمقدمتين: إحداهما: أن العوارض الموجودة في الأشياء الطبيعية سببها التركيب، وذلك أن الأشياء التي تنالها العوارض مركبة من أضداد مختلفة المواضع، ووجود الأضداد في هذه الأشياء المركبة في غير مواضعها شبه الحيوان وما أشبهه من المركبة من الاسطقسات، فإن الجزء الناري ليس في مكانه، ولا الجزء الأرضي وهذا هو السبب الأول في لحاق (الهرم والفساد لكل مركب)، لأن كل اسطقس يطلب موضعه الخاص به. وهذه المقدمة قريبة الظهور بنفسها، وستتبين أكثر إذا تبين أن جميع المركبات الكائنة الفاسدة مركبة من أضداد، وهي الاسطقسات الأربعة. والمقدمة الثانية: هي أن الجرم السماوي بسيط غير مركب من أضداد ، ولا شيء من أجزائه موجود في غير موضعه . وهذه المقدمة ظاهرة مما تبين في الأولى من هذا الكتاب. وهاتان المقدمتان ليس يخفى عليك ، إن كانت قرأت أنالوطيقي الأولى، أنها تنتج في الشكل الثاني أن العوارض الخارجة عن الأمر الطبيعي ليس تقع على الجرم السماوي ولا تلحقه. وإذا تقررت هذه المقدمات فنرجع فنقول: إن كانت الأعراض الخارجة عن الأمر الطبيعي لا تنال الجرم السماوي ، فليس يناله الضعف، وإذا لم ينله الضعف ، فليس لحركته استرخاء. وإذا لم يكن لها استرخاء، فليس لها شدة . وما ليس له شدة ولا استرخاء فليس متغيرا بكليته، فالسماء غير متغيرة بكليتها. وما ليس يتغير بكليته ولا باجزائه فحركته مستوية.
البرهان الرابع
Page 224