وهذا البرهان تأليفه أيضا هكذا: إن كان لحركة السماء الأولى اختلاف، فلا يخلو ذلك من ثلاثة أحوال: اما أن توجد سريعة زمانا لا نهاية له وبطيئة زمانا لا نهاية له. (وإما أن توجد متزيدة السرعة فقط زمانا لا نهاية له ، ومتزيدة البطء فقط زمانا لا نهاية له أيضا) . واما أن توجد مرة سريعة ومرة بطيئة على جهة التعاقب والتبادل، كما نحس ذلك في الكواكب السيارة . ولكن ليس توجد السماء الأولى بواحدة من هذه الأحوال ، فليس يمكن أن يكون في حركتها اختلاف . فاما أنه لا يمكن أن يوجد لحركة السماء تزيد إلى غير نهاية وتنقص إلى غير نهاية فذلك يظهر من وجهين: أحدهما : أن التنقص ضعف، والضعف أمر خارج عن الطبع ، وما هو أمر خارج عن الطبع فليس يمكن أن يكون زمان وجوده مساويا لزمان الأمر الطبيعي، فضلا عن أن يوجد زمانا لا نهاية له، وذلك أن زمان المرض أقصر بكثير من زمان الصحة. والوجه الثاني : أنه قد تبين ( 21 ظ) [31 ظ] ، في الأولى من هذا الكتاب ، أنه يستحيل أن يوجد في الشيء قوى متضادة زمانا لا نهاية له، فإنه يلزم عن ذلك أن يوجد المتضادان معا. واما امتناع الحالة الثالثة وهي أن تكون حركة السماء باحدى هاتين الحالتين، أعني أن تكون اما مشدودة دائما واما مسترخية دائما وإلى غير نهاية (في التزيد) ، فذلك يظهر من أن كل محرك طبيبعي فله نسبة محدودة من المتحرك، ولذلك ليس يحرك أي محرك اتفق أي متحرك اتفق ولا في اي زمان اتفق . وإذا كان ذلك كذلك ، فكل حركة فنهاية سرعتها ونهاية بطئها محدودة بالزمان، أعني أنه يوجد لها زمان لا يمكن أن توجد تلك الحركة في أقل منه ، وزمان لا يمكن أن توجد تلك الحركة في أكثر منه . ومثال ذلك : أن الضارب [22 و: ع] بالعود له أقل زمان يمكن أن يضرب فيه بالعود ، وله أكثر زمان يمكن أن يضرب فيه بالعود . وأيضا لو أمكن في الحركة أن تسترخي إلى غير نهاية لما أمكن في المتحرك أن يسكن بما هو محرك. وإذا كان ذلك كذلك، (فإن كانت السماء يوجد لها الاسراع والابطاء فأقل زمان تتحرك فيه السماء محدود). وليس يمكن أن يوجد لها سرعة إلى غير نهاية، وإذا لم توجد لها سرعة إلى غير نهاية لم يوجد لها ابطاء أيضا إلى غير نهاية، فإنه لو وجد لها أحد هذين لوجد لها الأمر الآخر. وإذا بطل هذان الوجهان فلم يبق إلا الوجه الثالث، أعني أن تكون السرعة والابطاء فيها يتعاقبان. لكن لو كان الأمر هكذا في السماء الأولى لوقع ذلك ضرورة مع طول الزمان تحت العيان، ولم يكن ذلك مما يخفى على مرور الاحقاب مع عناية السلف الصالح بتفقد أمثال هذه الأحوال في السماء. وأيضا فإن الاضداد من شأنها أن تظهر للحس ظهورا أبين من الأشياء التي ليست باضداد، وذلك أن كل واحد من الضدين يعرف صاحبه وينبه عليه. وأيضا لو كان هذا للزم أن يكون هاهنا تغير متقدم على هذا التغير، وذلك كله مستحيل. فقد تبين من هذا القول أنه ليس لحركة السماء اختلاف ألبتة، وأنها واحدة في الدهر مستوية.
Page 227