ونقول انه من المحال أن يكون شيء كائن لا يفسد وشيء غير كائن فاسدا. وذلك أن الشيء غير الكائن وغير الفاسد لا يمكن وجودهما بهذه الحال بالبخت ولا من تلقاء أنفسهما، بل من قبل طبائعهما، فان اختلاف طبائع الموجودات هو السبب في ان كان بعضها يقبل الكون والفساد وبعضها يقبل الكون ولا الفساد وذلك ان من الطبائع ما شأنه أن يوجد دائما، ومنها ما شأنه أن يعدم دائما، ومنها ما شأنه أن يقبل الأمرين جميعا. أعني الوجود تارة والعدم تارة في زمانين مختلفين، فإن كانت هاهنا طبيعة تقبل الدوام، فليس يمكن فيها أن تفسد. وكذلك ان كان هاهنا طبيعة تقبل الكون والفساد، فليس يمكن أن تبقى أزلية، الا لو أمكن أن تنقلب طبيعة الضروري الى طبيعة الممكن. فإن قال قائل: يمكن أن تكون هاهنا طبيعة ازلية قابلة للعدم، لزمه المحال المتقدم. وليس لقائل أن يقول: انما كان يلزم ذلك لو أنزلنا قوة العدم الذي في المكون الباقي دائما بعد تمونه موجودة فيه بالاضافة إلى الزمان المستقبل، حت ى تكون القوة مستصحبة مع الوجود الدائم. واما إذا قلنا إن قوة العدم في الكائن الأزلي انما هي بالاضافة الى الزمان الماضي، فليس يلزم شيء من المحال المذكور. وكذلك الأمر في الأزلي الفاسد. وأرسطو يرد هذا القول ويقول: انه من المعلوم بنفسه أن قولنا: في الشيء قوة، ان ذلك انما هو بالاضافة إلى الزمان المستقبل ولو كان مفهوم قولنا ان في شيء قوة بالاضافة إلى الزمان الماضي لكان الزمان الماضي والمستقبل واحدا وذلك شنيع ومستحيل. وإذا كانت القوة انما تقال بالاضافة إلى المستقبل [14 ظ: ع] فما وضع من المحال اللازم لا يخل بصحته هذا الشك. فهذه هي البراهين الكلية التي أتي بها هذا الرجل في ابطال ان يكون شيء مكون لا يفسد >أعني< الدهر كله، أو شيء غير مكون يفسد بأخرة. وينبغي أن تعلم أن هذه البراهين كلها تشترك في المقدمة السائقة إلى المحال وهو أن يكون الممكن / إذا وضع موجودا يلزم عنه محال، وتختلف باختلاف المقدمات المقترنة في برهان برهان إلى المقدمة المشتركة. فهذه هي البراهين الكلية التي كتبها أرسطو في هذا الطلب وهي أربعة. ثم انه بعد ذلك يختمخها بحجة خامسة مأخوذة من <البرهان> الاستقراء، وذلك انه يقول: انه يظهر بتصفح أشخاص الموجودات الكائنة الفاسدة ان كل كائن فاسد وكل فاسد كائن، وذلك ظاهر في جميع أجناس التغايير الأربعة. ويعني هذا الاستقراء [أن] ما يظهر كم الكائنة الفاسدة انما هي التي لها أضداد. قال: الأزلي واجب ألا يكون له ضد. وهنا انقضت معاني هذه المقالة.
مسألة:
Page 177