وهو يبين بعد ذلك أنه ليس خارج العالم لا مكان ولا خلاء ولا زمان (أما المكان) فلأن المكان هو الذي فيه جسم من الأجسام بالفعل أو يمكن أن يكون فيه جسم، وليس خارج العالم جسم ولا يمكن أن يحدث هنالك جسم. وإذا لم يكن هنالك جسم ولا يمكن أن يكون فيه، فبيس هنالك مكان. وبهذا بعينه يبين أيضا أنه ليس هنالك خلاء، وذلك أن القدماء كانوا يرسمون الخلاء بأنه مكان لا جسم فيه ويمكن أن يكون فيه. فأما الزمان فلما كان ليس شيئا أكثر من عدد حركة الأشياء الطبيعية وكان ليس هنالكأجسام، فليس هنالك حركة ولا زمان. فقد تبين من هذا القول أنه ليس خارج السماء مكان ولا خلاء ولا زكان، وان كان الوهم يأبي ذلك كما يأبي تصور أسياء كثيرة مما تبرهن وجودها. قال: وإذا تبين أنه ليس هنالك زمان ولا مكان، فالأشياء التي هنالك ليست في مكان ولا يستطيع الزمان أن يهرمها ويشيخها. وذلك أن كل ما كان خارجا عن أفق الأشياء المتحركة فليس يمكن فيه أن يستحيل ولا يتغير، لكنه ثابت لا يتغير حي لا يبيد، والحياة التي هنالك أفضل الحياة، لأنها حياة الموجودات التي لا يحصرها الزمان ولا يفضل عليها من طرفيه كما يعرض للأشياء الكائنة الفيسدة بل هذه الحياة مساوقة للزمان لم تزل ولا تزال. وعلى هذا المعنى من البقاء الدائم والوجود السرمدي كان القدماء يدلون باسم الدهر، فانهم كانوا يقولون ان الغاية والأفق المحيط بزمان كل واحد من الأشياء السرمدية الذي ليس قبله زمان يختص بوجود ذلك الشيء ولا بعده زمان هو دهر ذلك الشيء وخوده. فعلى هذا دهر السماء هو الغاية والأفق المحيط بالزمان المساوق لوجوده الذي لا يتناهى. وانما كان هذا الاسم لائقا بالسماء لأن فعلها لا يتناهى ولو كان متناهيا لكان الغاية والأفق المحيط بها هو الزمان، مثل ما عرض من ذلك لجميع الأشياء الكائنة الفاسدة. قال: وقد وضعنا في الفلسفة الخارجة التي وضعناها للعامة: انه يجب للشيء الروحاني الذي هو في نهاية الفضيلة الا يتغير ولا يبيد، لأنه العلة الأولى، إذ كان ليس له علة أخرى تحركه. لأنه لو كانت له علة أخرى تحركه لكانت أفضل منه، ولا أفضل منه. وإذا لم تكن له علة تغيره، فليس يمكن أن يتغير من قبل نفسه. ولو أنزلناه متغيرا من قبل نفسه لكان اما أن يستحيل إلى الذي هو أفضل أو إلى الذي هو أخس، ومحال أن يستحيل إلى الذي هو أخس، ولا يستحيل أيضا إلى الذي هو أفضل، فإنه لا أفضل منه. وإذا لم يمكن أن يتغير من قبل نفسه ولا من قبل غيره، فليس يمكن أن يتغير أضلا. وهذا القول كله يمكن أن يطابق به العلة الأولى والمبادئ المفارقة، ويمكن أن يطابق به الجرم السماوي. لكن من جهة تصريحه فيها انها ليست في مكان هو أليق بالأمور المفارقة، فإن الجرم السماوي قد يظن أنه في مكان بجهة ما ومن جهة أن الكلام المتقدم والمتأخر هو في السماء، فقد يظن به أنه انما قصد به أمر السماء، وذلك أنه يقول بعد هذا القول، ونقول، أيضا: انه لا يقبل شيئا من الآثار، أعني ذلك الشيء [10 ظ: ع] الروحاني، وحركته دائمة لا انقطاع لها. وقد استحق أن تكون له الحركة الدائمة لأن الأشياء كلها تسكن حركاتها إذا انتهت إلى مواضعها الطبيعية، وهو الأشياء التي تتحرك من ضد إلى ضد. فاما هذا الجرم المستدير، فلما كان ما منه يتحرك وما إليه يتحرك واحدا بعينه، صارت حركته دائمة البته. وهذا القول لا يليق الا بالجرم السماوي.
الجملة العشرة
Page 142