ولما تبين له هذا المعنى، أخذ بعد ذلك يفحص عنه، ويبين ان المادة التي تقوم منها العالم محصورة فيه. وهو يقدم بين يدي هذا الفحص على كم وجه يقال اسم السماء، ، ليدل من ذلك على المعنى الذي يقصده في هذا الفحص، فيقول: إن اسم السماء كان القدماء يستعملونه على ثلاث معان: أحدها على فلك الكواكب الثابتة. والثاني على جميع الأفلاك. والثالث على جميع أجزاء العالم، وهو الذي يدل عليه اسم العالم عندنا، . وهذا المعنى هو الذي يقصده هاهنا، اعني أنه الذي يبين ان المادة التي تقوم منها محصورة فيه. وبيانه لذلك علي هذه الصفة. إن لم يكن خارج السماء جرم من الجرام المحسوسة، فواجب الا تكون هنالك مادة أصلا، لأن المادة ليس توجد خلوا من الجرم ذي المادة، وأن تكون المادة محصورة فيه، فاما انه ليس يمكن أن يوجد خارج السماء جرم محسوس فذلك يظهر على هذا الواجه. إن كان يمكن أن يكون خارج السماء جسم فهو اما مركب واما بسيط. فان كان بسيطا فاما أن يكون مستدير الحركة أو مستقيمها، فانه قد تبين انه ليس توجد غير هاتين الطبيعتين للأجسام البسيطة، وان كان واحدا من هاتين الطبيعتين فلا يخلو أن يكون هنالك موجودا اما بالطبع واما بالقسر، وذلك أن كل جسم موجود في مكان، وكل موجود في مكان فلا يخلو وجوده في المكان من هاتين الحالتين، فان كان جسما مستديرا لم يمكن أن يكون ذلك الموضع له طبيعيا، لأن موضعه الطبيعي هو الوسط الذي يتحرك حوله، وقد تبين أن الوسط واحد بالعدد، ولا يمكن أن يوجد الجرم المستدير في مكان قسرا، فان الحركة القسرية ممتنعة عليه، على ما تبين قبل. واما ان كان من البسائط المحركة حركة استقامة، فليس يمكن أيضا فيه أن يكون خارج العالم في موضع بالطبع، لأنه قد تبين أنه ليس يلفي لواحد منها بالطبع أكثر من موضع واحد. وان كان فيه خارجا عن الطبع وقسرا لزم أن يكون ذلك الموضع لجسم آخر بالطبع، فان الموضع القسري لواحد من المتحركات على استقامة هو طبيعي للمضاد له، مثال ذلك آن النار موضعها القسري هو الأسفل وهو طبيعي للأرض، وكذلك الأرض موضعها القسري هو الطبيعي لغيرها، وقد تبين انه ليس يمكن أن يوجد هنالك واحد من هذه الاستقسات ولا هاهنا طبيعة سادسة يمكن أن تكون هنالك. وإذا كان هذا كذلك [10 و: ع] فليس هنالك جسم بسيط أصلا. وإذا لم يكن هنالك جسم بسيط فليس يمكن أن يكون جسم مركب، فإن المركب انما يتركب عن البسائط. فقد تبين أنه ليس هارج العالم جسم ولا يمكن أن يحدث في المستقبل، لأنه يلزم عن حدوثه المحالات المذكورة. وإذا تبين انه ليس يمكن أن يكون خارج العالم جسم من أجسام، فظاهر أن جميع المادة التي تقوم منها العالم محصورة فيه. وإذا كان ذلك كذلك، فالعالم واحد ليس بكثير ولا يمكن أن يوجد منه أكثر من واحد، وهو تام كامل ليس له شبيه ولا نظير (12ظ) [23 ظ]. فقد ظهر من هذا القول العلة التي من أجلها كان العالم واحدا لا كثيرا.
الجملة التاسعة
Page 139