ولما فرغ من هذا البرهان أتي بقول مقنع يوهم أنه يلزم عنه ان تكون العوالم كثيرة، أو يمكن أن توجد عوالم كثيرة. وهذا القول مخرجه على هذه الصفة: لما كان كل موجود طبيعي أو ضناعي مركبا من مادة وضورة، وكانت الصورة حالها إذا أخذت مجردة من الهيولي، غير حالها إذا أخذت مع الهيولي، فانا متى أخذنا معنى الاستدارة، فانما أخذنا الصورة مجردة من الهيولي. وإذا أخذنا الشيء المستدير فقد أخذنا الصورة مع الهيولي أعني أنا قد أخذنا الاستدارة في موضوع، كأنك قلت نحاس أو ذهب، وكان واجبا متى أخذت الصورة مجردة من الهيولي أن تكون واحدة، ومتى أخذت من حيث هي في مادة أن تكون كثيرة. وإذا كان ذلك كذلك، فغير ممتنع أن يعرض في السماء مثل ذلك. أعني أن تكون من حيث الصورة واحدة، ومن حيث المادة كثيرة. وكما أنه ان كانت هاهنا صورة في غير مادة فواجب أن تكون واحدة، كذلك ان كانت هاهنا صورة في مادة فواجب أن تكون كثيرة، ولذلك نجد هذا القول شديد اللزوم للقائل بوجود صور الأشياء المحسوسة مفارقة. على ما يقوله أفلاطون. وذلك انه مانت صورة العالم لها وجودان: وجود مفارق وهو مثال الوجود المحسوس، ووجود في الهيولي وهو الوجود المحسوس، وكانت إذا فارقت واحدة، فواجب إذا وجدت مع الهيولي أن تكون كثيرة. وقد يظهر أن [9 ظ: ع] هذا القول نفسه مقنع عند من لا يقول بالصورة، فضلا عند من يقول بها، وذلك انه يظهر من امر كل مركب من مادة وصورة ان له نظائر كثيرة فهذا هو القول الذي قد يظن به أن العوالم كثيرة أو يمكن أن توجد فيها كثرة. وهو يحل هذا القول بأن يعرف المقدمات الصادقة في هذا القول من غير الصادقة فنقول: اما ما وضع في هذا (12ظ) [23 ظ] القوة من أن أخذ الصورة مع الهيولي غير أخذها مجردة من الهيولي ونه مغاير له فواجب. وأما ما وضع من أنه كما أنه إذا أخذت مجردة من الهيولي فواجب أن تكون واحدة كذلك إذا أخذت مع الهيولي فواجب أن تكون كثيرة، فليس بصحيح فانه انما يمكن أن يوجد منهما أكثر من واحدة، إذا فضل من مادة الشخص الموجود منها جزء يمكن أن يقبل صورة أخرى. واما إذا كانت جميع المادة قد انصرت في ذلك الشخص، ولم يفضل منها فضلة، فليس يمكن أن يوجد إلا شخص واحد من تلك الصورة. ومثال ذلك أن زيدا مثلا لو كان متكونا من جميع مادة الانسان، لما أمكن أن يوجد من الانسان الا شخصه فقط. وإذا كان هذا بينا من أمر الصورة التي في المواد، أعني متى يمكن فيما الكثرة ومتى لا يمكن، فالعالم ان كان وجد من جزء من أجزاء المادة التي منها كون، أمكن أن تكون عوالم أخر. وان كان جميع المادة محضورة فيه لم يمكن أن يوجد منه أكثر من واحد.
الفصل الثامن
Page 136