وأما الذي ينتج الجزئية فليس يعرض فيه الصنف من النتائج الذي يكون من قبل انطواء موضوعها تحت موضوع النتيجة لكون النتيجة جزئية ويعرض فيه الصنف الثاني لكون المقدمة الكبرى كلية في جميع أصناف المقاييس في هذا الشكل الكلية والجزئية. وأما الشكل الثاني فإنه يعرض في الأصناف الكلية منه أن يظن به أنه ينتج نتيجة وما هو منطو تحت موضوع النتيجة لقرب ذلك في بادئ الرأي. وفي الحقيقة إنما هي نتيجة قياس في الشكل الأول- أعني وجود الطرف الأعظم لموضوع موضوعه. وليس يظن فيه أنه ينتج مع نتيجة ما هو موضوع للحد الأوسط، لأن ذلك إن أنتج فإنما ينتج بترتيب الشكل الثاني والفكرة لا تقع بالطبع على شعور الإنتاج في الشكل الثاني كوقوعها على ذلك في الشكل الأول. فلذلك يظهر أن وجود الطرف الأعظم لما هو موضوع للحد الأوسط في الشكل الثاني هو بقياس ثان. وليس يظن به أنه ينتج بالقياس الأول، بخلاف ما هو موضوع لموضوع النتيجة. مثال ذلك قولنا الجسم السماوي ليس بمحدث والجسم المركب محدث، فإنه يلزم عن هذا القياس إن الجسم السماوي ليس بمركب وأن فلك الكواكب الثابتة غير مركب، إذ كان انطواؤه تحت الجسم السماوي ظاهرا بنفسه. وأما أن يظن أنه يلزم عن هذا القياس وجود الطرف الأعظم لما هو موضوع للحد الأوسط فيه- مثل أن يكون بينا بنفسه أن الأسطقسات ليست بمحدثة- فإنه ليس يلزم عن ذلك أن الأسطقسات ليست بمركبة إلا بقياس هو غير القياس الذي لزم به أن الجسم السماوي ليس بمركب، وذلك في الحقيقة وفي بادئ الرأي. وكذلك الحال في الشكل الثالث- أعني أنه ليس يظن به أنه ينتج مع نتيجته إلا وجود الطرف الأكبر لما هو موضوع للطرف الأصغر فقط، لا لما هو موضوع للحد الأوسط. ولذلك ليس يظن بالمقاييس الجزئية منها أنها تنتج غير نتيجتها، إذ موضوع المطلوب فيه جزئي.
الفصل الثاني
في أنه قد يمكن أن يكون من المقدمات الكاذبة نتيجة صادقة
ومتى يكون ذلك وكيف
والمقدمتان اللتان يكون منهما القياس قد تكونان معا صادقتين وقد تكونان معا كاذبتين وقد تكون إحداهما صادقة والأخرى كاذبة. والكاذبة ربما كانت كاذبة بالكل- وهي التي يصدق ضدها- وربما كانت كاذبة بالجزء، وأما النتيجة فتكون إما صادقة باضطرار وإما كاذبة. فأما المقدمتان الصادقتان أو المقدمات الصادقة فليس يمكن أن يكون عنهما نتيجة كاذبة. وأما المقدمات الكاذبة فقد يمكن أن يكون عنهما نتيجة صادقة، لكن ليس يعرض ذلك من قبل المقدمات بل ذلك لعلة أخرى ستبين بعد.
فأما أنه لا يمكن أن يكون عن مقدمات صادقة نتيجة كاذبة فذلك يبين على هذا الوجه لنأخذ بدل المقدمتين الصادقتين اَ ونأخذ بدل النتيجة بَ وهو بين من حد القياس أنه إذا وضعت اَ موجودة أن بَ تكون موجودة لأن الف تكون بمنزلة المقدم في القياس الشرطي المتصل وبَ بمنزلة التالي. وهو بين أنه إذا وجد المقدم وجد التالي وأنه إذا ارتفع التالي ارتفع المقدم وإلا لزم أن يوجد المقدم دون وجود التالي، وقد فرض أنه إذا وجد التالي فيلزم أن يكون التالي موجودا وغير موجود معا، هذا خلف لا يمكن. فإذن إن كانت ألف صادقة فباضطرار أن تكون بَ صادقة لأنه إن كانت غير صادقة عرض أن تكون بَ غير موجودة واَ موجودة، وقد تبين استحالة ذلك. واَ ليس ينبغي أن يتوهم هنا شيئا واحدا وإنما أخذت بدل المقدمتين الصادقتين التي نسبة إحداهما إلى الأخرى كنسبة الكل إلى الجزء، وذلك أنه إذا كان قولنا اَ مقولة على كل بَ صادقا وبَ مقولة على كل جَ صادقا أيضا فباضطرار أن يكون قولنا اَ مقولة على كل جَ صادقا أيضا وإلا عرض أن يكون الصادق غير صادق، ولما كان ليس يلزم من ارتفاع المقدم ارتفاع التالي لم يلزم إذا كانت اَ كاذبة أن تكون بَ- التي هي النتيجة- كاذبة، لأن لزوم النتيجة عن القياس ليس لزوما متكافئا- أعني منعكسا. وهذا البرهان بعينه هو عام للقياس الذي ينتج السالب أو الموجب- أعني أنه لا يمكن أن يكون فيه من مقدمات صادقة نتيجة كاذبة.
1 / 63