بسم الله الرحمن الرحيم
المقالة الأولى
الشيء الذي عنه الفحص ومنفعته
قال: ينبغي أن نبتدئ أولا فنخبر بالشيء الذي عنه الفحص في هذا الكتاب وبالمنفعة الحاصلة عن الشيء المفحوص عنه. ثم بعد ذلك نخبر بالأشياء التي تتنزل من هذا الكتاب بمنزلة الأصول والمبادئ لسائر ما يتكلم فيه- وهي أن نعرف ما هي المقدمة، وما هو الحد، وما هو القياس، وأي القياسات كامل وأيها غير كامل، وما المحمول على كل شيء أو ليس بمحمول على كل الشيء أولا على شيء منه.
فنقول: أما الشيء الذي عنه الفحص في هذا الكتاب فهو البرهان لأن القياس إنما الفحص عنه من أجل الفحص عن البرهان. وأما المنفعة الحاصلة منه فهو حصول العلم البرهاني في جميع الموجودات على أتم ما في طباعها أن تحصل للإنسان.
فأما المقدمة فهي قول موجب شيئا لشيء أو سالب شيئا عن شيء. والمقدمة لها انقسام من جهة الكيفية وانقسام من جهة الكمية. أما من جهة الكمية فمنها كلية ومنها جزئية ومنها مهملة. وأما من جهة الكيفية فمن قبل أن كل واحدة من هذه إما موجبة وإما سالبة. فالكلية الموجبة هي ما أوجب فيها المحمول لكل الموضوع- مثل قولنا كل إنسان حيوان. والسالبة الكلية هي ما سلب فيها المحمول عن كل الموضوع- مثل قولنا ولا إنسان واحد حجر. والجزئية الموجبة هي ما أوجب فيها المحمول لبعض الموضوع- مثل قولنا بعض الحيوان إنسان. والجزئية السالبة هي إما سالب المحمول عن بعض الموضوع- مثل قولنا بعض الحيوان ليس بإنسان- وإما سالب الكلية عن الموضوع- قولنا ليس كل حيوان إنسانا- فإن السالبة الجزئية لها عبارتان، إحداهما رفع البعض والثانية رفع الكل الموجود فيها. والمهملة هي التي لا يقرن بها سور أصلا لا كلي ولا جزئي- مثل قولنا العلم بالأضداد واحد، واللذة ليست بخير. فهذه هي أقسام المقدمة من جهة الصورة- اعني الأقسام النافعة في معرفة القياس بإطلاق.
وأما انقسام المقدمة من جهة المادة فمنها برهانية ومنها جدلية إلى غير ذلك من الأقسام التي يلحقها من جهة المواد المستعملة في الصنائع المنطقية على ما سنبين بعد من هذه الصناعة. والمقدمة البرهانية والجدلية يفترقان بأشياء. أحدها أن المقدمة البرهانية إنما هي أحد جزءي النقيض وهو الصادق. وأما المقدمة الجدلية فقد تكون كل واحدة من جزءي النقيض إذ كانت إنما تؤخذ متسلمة من المجيب، والمجيب فقد يجيب بكل واحد من جزءي النقيض إذ كان السائل يفوض إليه في هذه الصناعة عند السؤال أن يجيب بأي جزءي النقيض أحب. وليس الفرق الذي بين المقدمة البرهانية والمقدمة الجدلية مما له تأثير في وجود القياس عنها، بل ليس بينهما في ذلك فرق أصلا. فإن المبرهن والجدلي قد يقيس كل واحد من هؤلاء قياسا صحيحا إذا أخذ شيئا محمولا على شيء أو غير محمول- أعني إذا وضع مقدمة من المقدمات فتكون المقدمة القياسية التي هي كالجنس للمقدمة البرهانية والجدلية، وهي التي ينظر فيها في هذا الكتاب، هو قول موجب شيئا لشيء أو سالب شيئا عن شيء. وأما المقدمة البرهانية فهي التي تكون من المعلومات الأول بالطبع. وأما الجدلية أما للقياس فمن المشهورات، وأما للسائل فمن المتسلمات المشهورة. والفصول التي تنفصل بها هذه المقدمات بعضها من بعض هي مستوفاة في كتاب البرهان وكتاب الجدل، والنظر فيها من هذه الجهة هو هنالك. وكذلك فصول سائر المقدمات هي مستوفاة في الصنائع الخاصة بها- مثل المقدمات السوفسطائية والخطبية والشعرية. وأما هاهنا فيكفي من معرفة فصول المقدمات هذا القدر الذي ذكر.
وأما الحد فإنه يدل به في هذا الكتاب على الشيء الذي تنحل إليه المقدمة مما هو جزء ضروري في كونها مقدمة- وهو المحمول والموضوع اللذان هما جزءا المقدمة الضروريان في وجودها- لا الأشياء التي تزاد في المقدمة لموضع الرباط- وهي الكلم الوجودية- فإن تلك ليست تنحل إليها المقدمة على أنها أجزاء ضرورية فيها، إذ كانت قد تكون المقدمة مقدمة بالفعل وإن كانت الكلم الوجودية موجودة فيها بالقوة وفي الضمير على ما جرت عليه العادة عند العرب في الثلاثية وعلى ما عليه الأمر في الثنائية- أعني من أنه ليست بها حاجة إلى الكلم الوجودية. وسواء في هذا المعنى المقدمات الموجبة والسالبة.
1 / 1
فأما القياس فهو قول إذا وضعت فيه أشياء أكثر من واحد لزم من الاضطرار عن تلك الأشياء الموضوعية بذاتها لا بالعرض شيء ما آخر غيرها. فالقول هاهنا هو جنس القياس- وأريد به القول الجازم- وسائر ما أخذ في الحد هي فصول تميز القول القياسي بالحقيقة من غير القياسي. فقوله: إذا وضعت فيه، يريد به إذا تسلمت واصطلح عليها. وقوله: أشياء أكثر من واحد، يريد بها المقدمات. وإنما قال أكثر من واحد لأنه سيبين بعد أنه لا يكون قياس من مقدمة واحدة. وقوله: شيء ما آخر، يعني به النتيجة، وذلك أنه واجب أن تكون النتيجة غير المقدمات، فإن الشيء لا يؤخذ في بيان نفسه. وقوله: لزم من الاضطرار، إنما إشترط فيه من الاضطرار من قبل أن اللزوم منه ضروري ومنه غير ضروري، وبهذا الشرط ينفصل القياس من الأقاويل التي يلزم عنها الشيء لزوما غير ضروري- وهي الاستقراء والمثال والمقاييس التي تنتج السلب مرة والإيجاب أخرى. وقوله: بذاتها، أراد به أن يكون القياس تاما، وهو أن لا ينقصه شيء يكون به قياسا. وقوله: لا بالعرض، تحفظا من الأشكال التي قد تنتج في بعض المواد على ما سيبين بعد- مثل ال به أن يكون القياس تاما، وهو أن لا ينقصه شيء يكون به قياسا. وقوله: لا بالعرض، تحفظا من الأشكال التي قد تنتج في بعض المواد على ما سيبين بعد- مثل النتاج من موجبتين في الشكل الثاني إذا كانت المحمولات مساوية للموضوعات في الحمل. وبعض ما أخذ في هذا الحد هو بين بنفسه- أعني وجوده للقياس- وبعضه- سيبين وجوده. وذلك أن كون القياس قولا جازما هو بين بنفسه إذ كان القول الجازم هو الذي يصدق أو يكذب، وكذلك ما قيل فيه من أن يكون الازم عنه غير المقدمات وأن يكون اللزوم ضروريا هو بين بنفسه، وكذلك كون اللزوم بذاته لا بالعرض هو أيضا أمر بين بنفسه- أعني أن القياس يجب أن يكون بهذه الصفة. والذي بقي أن يبين هو أن الواجب أن يوضع فيه أكثر من مقدمة، وذلك سيبين فيما بعد إذا تبين أن كل قياس فإنما يأتلف من مقدمتين لا أكثر ولا أقل.
والقياس منه كامل ومنه- كما قلنا- غير كامل. والكامل هو الذي لا يحتاج في ظهور ما يلزم عنه من النتيجة إلى استعمال شيء آخر غيره مما يبين به إنتاجه. وغير الكامل هو الذي يحتاج في بيان ما يلزم عنه من النتيجة إلى استعمال شيء آخر أو أشياء أخر مما هو لازم عن المقدمات التي وضعت فيه. وذلك أن القياس بالجملة يجب أن يكون تاما، وهو أن لا ينقصه شيء يكون به قياسا. ثم هذا ينقسم قسمين، فمنه ما ينقصه شيء يبين به أنه قياس- وهو الذي يخص هاهنا باسم غير الكامل- ومنه مالا ينقصه شيء يبين به أنه قياس- وهو الكامل.
وأما المقول على الكل أو المقول ولا على واحد، فيعنى به إذا لم يوجد شيء في كل الموضوع إلا ويحمل عليه المحمول موجودا لكل الموضوع ولكل ما يتصف بالموضوع ويوجد فيه، حتى يكون قولنا كل ما هو حيوان فهو جسم إذا أردنا به معنى المقول على الكل ليس معناه كل واحد من الحيوانات فهو جسم بل كل واحد من الحيوانات وكل ما يتصف بكل واحد منها فهو جسم. وهذا هو الفرق بين المقول على الكل المستعمل مبدأ في هذا الكتاب وبين المقدمة الكلية. وكذلك المقول ولا على واحد، إنما يعنى به إذا لم يوجد شيء في كل الموضوع إلا ويسلب عنه المحمول، حتى يكون المحمول مسلوبا عن كل الموضوع وعن جميع الأشياء الموجود فيها الموضوع- أعني الأشياء التي يتصف بها الموضوع.
فهذه هي الأشياء التي يجب أن تتقدم معرفتها قبل النظر في أصناف المقاييس أي صنف كان.
المقدمات المنعكسة
وكل مقدمة فإما أن تكون مطلقة- أي موجودة بالفعل- وإما اضطرارية وإما ممكنة. ولذلك تنقسم أجناس المقاييس بانقسام جهات المقدمات وكل واحدة من هذه إما موجبة وإما سالبة، وإما كلية وإما جزئية وإما مهملة. ولذلك تتنوع المقاييس الموجودة من قبل هذه الجهات- أعني أن منها ما يكون من مقدمات ضرورية ووجودية وممكنة- كما نتنوع من جهة اختلاف المقدمات في الكمية- أعني بالكمية اختلافها من قبل الأسوار وبالكيفية اختلافها من قبل الإيجاب والسلب. والجهة الضرورية والممكنة قد عرفتها من الكتاب المتقدم.
1 / 2
وأما الوجودية فيشبه أن يكون أريد بها هاهنا الموجودة بالفعل بإطلاق- أي التي المحمول فيها موجود لكل موضوعاته لا في زمان مشار إليه بل بإطلاق. فإنه قدصرح أرسطو في كتاب البرهان أن المقدمات التي تحمل على الكل غير الضرورية. وقد يدخل في هذا الجنس التي ليست بضرورية- أعني التي يوجد المحمول فيها لكل أشخاص الموضوع وذلك في أكثر الزمان. وهذا هو الفرق بين الضرورية وبين الموجودة بالفعل- أعني أن الضرورية يوجد المحمول فيها لكل أشخاص الموضوع في كل الزمان، وأما تلك ففي أكثر الزمان. ويشبه أن يدخل في هذا الصنف من المقدمات التي يجهل من أمرها أنها ضرورية أو غير ضرورية، لا الموجودة بالفعل مادام الموضوع موجودا أو مادام المحمول موجودا- وهو الذي يذهب إليه الإسكندر- لأن هذه شخصية وإن وجد منها كلية ففي الأقل من الزمان وبالعرض. وقد حذر أرسطو من استعمال أمثال هذه المقدمات الوجودية فيما يأتي بعد وإن كان قد يستعملها أرسطو لأمور دعته إلى ذلك. ولا هي أيضا شيء يشمل الضروري والممكن على ما يذهب إليه ثاوفرسطس وغيره- إلا أن يريد المعلومة الوجود المجهولة كونها ضرورية أو غير ممكنة- فإن المقصود هاهنا هو قسمة المقدمة إلى أقسام الوجود أو إلى أقسام المعارف الأول الموجودة لنا بالطبع في المقدمات، وسيبين هذا من قولنا بعد.
وهذه المقدمات الثلاث- أعني المطلقة والضرورية والممكنة- منها ما ينعكس ومنها ما لا ينعكس. وأعني بالانعكاس أن يتبدل ترتيب أجزاء القضية فيصير محمولها موضوعا وموضوعها محمول ويبقى صدقها وكيفيتها من الإيجاب أو السلب أيضا محفوظا. فأما إذا يتبدل الترتيب ولم يبق الصدق محفوظا فهو الذي يسمى في هذه الصناعة قلب القضية.
القول في انعكاس المقدمات المطلقة
فأما المقدمات المطلقة الكلية فإن السالبة تنعكس محفوظة الكمية. مثال ذلك إن كان ولا شيء من اللذة خير صادقا فقولنا ولاشيء من الخير لذة صادق أيضا. وأما الموجبة الكلية فإنها تنعكس أيضا. وأما الموجبة الكلية فإنها تنعكس أيضا لكنها لا تنعكس محفوظة الكمية- أعني كلية- كالحال في السالبة بل تنعكس جزئية. وذلك أنه إن كان قولنا إن كل لذة خير صادق فقولنا بعض الخير لذة صادق.
وأما المقدمات الجزئية المطلقة فإن الموجبة منها تنعكس جزئية. وذلك انه كان قولنا بعض اللذة خير صادقا فواجب أن كون قولنا بعض الخير لذة صادقا أيضا. وأما السالبة منها فليس تنعكس دائما وفي كل مادة من هذا الصنف- وهو الشيء الذي يشترط في المقدمات المنعكسة- وذلك أنه إن كان صادقا قولنا بعض الحيوان ليس بإنسان، ليس بصادق عكس هذا- وهو قولنا بعض الإنسان ليس بحيوان. فالاستقراء كاف في بيان ما لا ينعكس منها- مثل السالبة الجزئية.
وأما بيان ما ينعكس منها فقد يحتاج إلى قول. فليكن أولا مثال السالبة الكلية قولنا اَ ولا في شيء من بَ، على أن يكون اَ مثالا للمحمول وبَ مثالا للموضوع، فإن التمثيل بالحرف هو أحرى أن لا يظن بما يبين من ذلك أنه إنما لزم من قبل المادة- أعني من قبل مادة المثال الموضوع فيه- لا من قبل الأمر في نفسه- مثل أن نضع بدل اَ حيوانا وبدل بَ حجرا. فأقول إنه إذا كان قولنا ولا شيء من اَ بَ صادقا فإنه يجب ضرورة أن يكون ولا شيء من بَ اَ صادقا، لأنه إن لم يكن قولنا ولا شيء من بَ اَ صادقا فنقيضه هو الصادق على ما تبين في الكتاب المتقدم وهو قولنا بعض بَ اَ. فلنفرض ذلك البعض شيئا محسوسا- وهو جَ مثلا- فتكون جَ التي هي بعض بَ موجودة بالحس في اَ فهي بعض اَ، فيكون بعض اَ موجودا بالحس في بَ وقد كنا فرضنا أنه ولاشيء من اَ هو بَ صادقا، وذلك خلف لا يمكن. فإذن قولنا بعض بَ اَ كاذب. وإذا كذب هذا، صدق قولنا ولا شيء من بَ اَ، وهو الذي قصدنا بيانه.
1 / 3
وأما الموجبة الكلية المطلقة فإنها تنعكس كما قلنا جزئية. وذلك أنه إن كان كل بَ اَ صادقا، فأقول إنه يجب ضرورة وفي كل مادة أن يكون بعض اَ بَ صادقا. برهان ذلك أنه إن لم يكن قولنا بعض اَ بَ صادقا فنقيضه هو الصادق- وهو قولنا ولا شيء من اَ هو بَ. وإذا كان هذا صادقا، فعكسه أيضا صادق على ما تبين قبل من أن السالبة الكلية تنعكس وهو قولنا ولا شيء من بَ اَ. وقد كنا فرضنا أن كل بَ اَ. هذا خلف لا يمكن فإذن قولنا ولا شيء من اَ هو بَ هو كاذب. وإذا كذب هذا صدق نقيضه، وهو قولنا بعض بَ اَ.
وأما الموجبة الجزئية، فأقول إنها أيضا تنعكس جزئية وذلك أنه إن كان بعض بَ اَ صادقا، فبعض اَ بَ صادق ضرورة، لأنه إن لم يكن صادقا فنقيضه هو الصادق- وهو لا شيء من اَ بَ. وإذا صدق هذا، فعكسه أيضا صادق- وهو قولنا ولا شيء من بَ اَ. وقد كنا فرضنا بعض بَ اَ، هذا خلف لا يمكن. فإذن قولنا ولا شيء من اَ بَ كاذب ضرورة، فنقيضه هو الصادق- وهو قولنا بعض اَ بَ.
وأما الجزئية السالبة فإنها لا تنعكس دائما. ومثال ذلك إن جعلنا في موضع بَ حيا وفي موضع اَ إنسانا، فصدق قولنا ليس كل حي إنسانا، لم يصدق عكسه- وهو قولنا ليس كل إنسان حيا. وهذا كاف في الإبطال كما قلنا.
فهذه هي المقدمات المنعكسة وغير المنعكسة في المادة المطلقة.
القول في انعكاس المقدمات الضرورية
وأما المقدمات الاضطرارية فإن الكلية السالبة منها تنعكس كلية أيضا والكلية الموجبة جزئية وكذلك الجزئية الموجبة كالحال في المطلقة. وبيان ذلك أنه إن كان ولا شيء من بَ اَ باضطرار صادقا، فأقول إنه يلزم أن يكون ولا شيء من اَ بَ باضطرار صادقا أيضا. برهان ذلك أنه إن لم يكن صادقا قولنا ولا شيء من اَ بَ باضطرار، فنقيضه إذن صادق- وهي إما الموجبة الجزئية التي في المادة الممكنة التي هي مضادة للمادة الضرورية، وإما الجزئية الموجبة الضرورية، إذ كان ليس هاهنا غير هاتين المادتين. فإن المطلقة هي من طبيعة الممكن، والمحال الذي يعرض عن فرضهما هو واحد بعينه، إذ كان الممكن هو الذي إذا أنزل بالفعل لم يلزم عن إنزاله محال، لكن إن أنزلناها الجزئية الضرورية يتبين بالبيان المتقدم في السالبة المطلقة لزوم المحال عن هذا الفرض. وإن أنزلناه الجزئية الممكنة- مثل أن نفرض بعض اَ بَ بإمكان، فهو ظاهر أنا إن أنزلنا أن بعض اَ بَ بالفعل أنه ليس يعرض عن ذلك محال. لكن إن أنزلنا أن بعض اَ بَ بالفعل، فبعض بَ اَ بالفعل، لأن الجزئية المطلقة قد تبين انعكاسها. وقد كنا وضعنا أنه ولا شيء من بَ اَ بالضرورة، هذا خلف لا يمكن، فإن الموجود من طبيعة الممكن والممكن مضاد للضروري. وإذا كذبت الموجبة الجزئية الضرورية والممكنة، فواجب أن تصدق السالبة الضرورية الكلية لأن ما ليس موجود بإمكان ولا بالضرورة فهو مسلوب بالضرورة.
وأما الموجبة الكلية الضرورية فإنها تنعكس أيضا جزئية ضرورية، لأنه إن كان كل بَ اَ باضطرار صادقا فأقول إنه يجب أن يكون بعض اَ بَ باضطرار، لأنه إن كان بعض اَ بَ بإمكان لا باضطرار وجب أن يكون بعض بَ اَ بإمكان، وذلك ببيان الفرض المتقدم المستعمل في الوجودية. وذلك أنا إذا فرضنا بعض بَ الذي هو موجود في اَ بإمكان شيئا محسوسا، كان ذلك الشيء بعض اَ وبعض بَ. فيكون إذن بعض بَ اَ بإمكان، وقد كنا وضعنا كل بَ واَ باضطرار، وهذا خلف لا يمكن. فإذن واجب أن يكون الصادق مع قولنا كل بَ اَ باضطرار إن بعض اَ بَ باضطرار.
وأما الموجبة الجزئية الاضطرارية فإنها تنعكس أيضا جزئية ضرورية، لأنه إن كانت بعض بَ اَ باضطرار فواجب أن يكون شيء من اَ باضطرار هو بَ وإلا لم يكن شيء من بَ باضطرار هو اَ.
فهذه هي المقدسات المنعكسة في المطلقة والاضطرارية. وهذا البيان الذي نسقناه هو البيان الذي اعتمده أرسطو فيها. وبه تنحل الشكوك التي شككها القدماء في هذا الباب عليه.
القول في انعكاس المقدمات الممكنة
1 / 4
وأما المقدمات الممكنة- أعني التي يقال عليها اسم الممكن بالحقيقة، وهي التي يمكن أن توجد وأن لا توجد في الزمان المستقبل- فإن الحال في انعكاس الموجبات منها كالحال في انعكاس الموجبات المطلقة والضرورية- أعني أن الكلية الممكنة والجزئية تنعكسان جزئية. وذلك بين أنه إن كان كل اَ بَ بإمكان أو بعض اَ بَ بإمكان، فأقول إن بعض بَ اَ بإمكان لأنه إن لم يكن بإمكان بل باضطرار فبعض اَ بَ باضطرار على ما تقدم، وقد كان وضع أن كل اَ بَ بإمكان، هذا خلف لا يمكن.
وأما المقدمات السوالب التي في هذه المادة فانعكاسها على ضد الانعكاس في تلك. وذلك أن الكلية السالبة في هذه المادة لا تنعكس كلية والجزئية تنعكس على ما سنبين ذلك عند القول في المقاييس التي تأتلف في المقدمات الممكنة. والسبب في ذلك أن السوالب في هذه المادة ليست سوالب بالحقيقة على ما بين في الكتاب المتقدم، وإنما قوتها قوة الموجبات، وذلك أن الجهة فيها نظير الكلمة الوجودية في القضايا التي ليس فيها جهة. وكما أن القضية التي لا يقرن حرف السلب فيها بالكلمة الوجودية وإنما يقرن بالمحمول هي موجبة- مثل قولنا زيد يوجد لا خيرا، ويوجد لا أبيض- كذلك هذه القضايا لما كان حرف السلب لا يقرن فيها بالجهة وإنما يقرن بالمحمول- مثل قولنا هذا ممكن أن لا يكون في شيء من هذا، وممكن أن لا يكون في بعض هذا. وسنبين هذا فيما بعد بيانا أكثر.
ائتلاف القياس
وإذ قد تبينت هذه الأشياء من أي شيء يأتلف القياس الذي حد قبل وبماذا يأتلف وكيف جهة ائتلافه ومتى يأتلف ائتلافا يلزم عنه شيء آخر غيره بالضرورة. ثم من بعد ذلك ينبغي أن نتكلم في البرهان. لأن الكلام في القياس يجب أن يتقدم على الكلام في البرهان لأن القياس أعم من البرهان إذ كان كل برهان قياسا وليس كل قياسا برهانا، وذلك إذا كان شكله منتجا ولم تكن مقدماته صادقة.
فنقول إن القياس المطلوب في هذا الكتاب إنما هو القياس الذي يؤلف على مطلوب محدد- مثل قولنا هل كل جَ هو اَ أم ليس شيء من جَ اَ. وهو بين أنا إذا أخذنا شيئا منسوبا لجَ واَ الذين هما طرفا المطلوب- وهو مثلا بَ- إنه يأتلف من ذلك مقدمتان من ثلاثة حدود متباينتان بحدين ومشتركتان في حد واحد، وإنه إذا أخذنا شيئا مشتركا لطرفي المطلوب بهذه الصفة إنه يمكن أن يبين به المطلوب- أعني أن جَ هي اَ أو أن جَ ليست هي اَ أو ليس فيها اَ. مثال ذلك أن نقول جَ هي بَ، وبَ هي اَ فيلزم أن تكون اَ في جَ. أو نقول جَ هي بَ، وبَ ليست هي اَ، فيلزم أن لا تكون اَ في جَ. فلنسم موضوع المطلوب في المقدمة الواحدة- الذي هو جَ- الطرف الأصغر ومحمول المطلوب في المقدمة الثانية- الذي هو اَ- الطرف الأكبر والحد المشترك بينهما- الذي هو بَ- الحد الأوسط. وتسمى المقدمة التي فيها الطرف الأصغر الصغرى والتي فيها الطرف الأكبر الكبرى. ولنسم ترتيب الحد الأوسط من الطرفين الشكل.
ولما كان الحد المشترك له من الطرفين أوضاع أربعة أحدها أن يكون موضوعا للطرفين أو محمولا عليهما أو موضوعا للأكبر ومحمولا على الأصغر أو عكس ذلك، فلننظر في أي ترتيب منها يصح أن تكون الأشكال الطبيعية للقوة الفكرية- أعني التي يقع عليها الناس بالطبع لا بقوة صناعية. فإن هذا هو القياس الذي تروم إعطائه هذه الصناعة- أعني الذي تروم حصر أجناسه وتميز الأصناف المنتجة في جنس جنس منها من غير المنتجة. ومن هذا الفحص يبين لك أن الأشكال الحملية ثلاثة وأن الشكل الرابع الذي يضعه جالينوس ليس بشكل طبيعي، وهو أن يكون الحد الأوسط محمولا على الطرف الأعظم موضوعا للأصغر لأنه ليس تعمله فكرة بالطبع- أعني أنه لا يوجد في كلام الناس ولو وجد لكان من جنس الشكل الأول ولم يكن رابعا.
القول في الشكل الأول
فنقول: أما إذا رتب الحد الأوسط من الطرفين بأن يكون محمولا والأكبر محمولا عليه- مثل أن نقول كل جَ هو بَ وكل بَ هو اَ- فهو من البين بنفسه أن هذا الترتيب قياسي وأنه يوجد لنا بالطبع. وأرسطو يسمي هذا الترتيب الشكل الأول.
1 / 5
ولما كانت كل مقدمتين إما أن يكون كلاهما كلية أو جزئية أو مهملة أو تكون إحداهما كلية والأخرى جزئية أو إحداهما كلية والأخرى مهملة أو إحداهما مهملة والأخرى جزئية، وكل واحدة من هذه الأصناف الثلاثة تنقسم قسمين إما أن تكون الكلية الكبرى والجزئية الصغرى أو بالعكس، وكذلك الكلية مع المهملة والجزئية مع المهملة وكل واحد من هذه الأصناف التسعة من التركيب إما أن تكون موجبتين معا أو سالبتين معا، أو تكون إحداهما موجبة والثانية سالبة، وهذا ضربان، أحدهما أن تكون الصغرى هي السالبة والكبرى هي الموجبة، والضرب الثاني عكس هذا، فهو بين أنه إذا ضرب هذه الأربعة في تلك التسعة حدث عنها ستة وثلاثون إقترانا. وأرسطو يبين المنتج منها وغير المنتج على ما أقوله.
أما متى كانت المقدمتان كليتين موجبتين، فإنه ينتج موجبة كلية ضرورة، مثال ذلك من الحروف أنه متى وضعنا كل جَ هو بَ وكل بَ هو اَ، فأقول إنه ينتج عن ذلك أن كل جَ هو اَ وذلك بالضرورة ودائما. ومثال ذلك من المواد أنا متى وضعنا أن كل إنسان حيوان وكل حيوان حساس فإنه يلزم عن ذلك أن يكون كل إنسان حساسا. واللزوم هاهنا ظاهر من معنى المقول على الكل الذي رسمناه في أول هذا الكتاب، وذلك أن معنى قولنا كل بَ هو اَ أو كل حيوان حساس- وهي المقدمة الكبرى في هذا التأليف- إنما هو أن كل ما هو بَ ويوصف ببَ بإيجاب فهو اَ. فإذا أضفنا الى هذا الوضع أن جَ يوصف ببَ بإيجاب لزم ضرورة أن يوصف جَ باَ. وكذلك قولنا كل حيوان حساس إنما نريد به كل ما يوصف بأنه حيوان فهو حساس، فإذا أضفنا الى هذا أن الإنسان يوصف بأنه حيوان، فهو ظاهر أنه يجب أن يوصف بالحساس. فهذا هو أحد الضروب المنتجة في هذا الشكل.
وكذلك متى كانت المقدمتان كليتين وكانت الكبرى سالبة والصغرى موجبة، فهو ظاهر أيضا من معنى المقول ولا على واحد أنه ينتج سالبة كلية. مثال ذلك قولنا كل جَ فهو بَ، ولا شيء من بَ هو اَ، فيجيب عن ذلك ولا شيء من جَ اَ، لأن معنى قولنا ولا شيء من بَ اَ أي ولا شيء مما يوصف ببَ بإيجاب هو اَ، وجَ يوصف ببَ بإيجاب، فيجب أن لا يوصف بشيء من اَ.
وأما متى كانت المقدمتان الكليتان سالبتين معا أو كانت الكبرى موجبة والصغرى سالبة، فإنه لا يكون عن ذلك قياس منتج لا كلي ولا جزئي، وذلك ظاهر من أنه ينتج في المواد مرة موجبا صادقا ومرة سالبا صادقا، ومن أنه أيضا ليس فيه معنى المقول على الكل، إذ كان شرط ما يقال على الكل إنما هو أن تكون اَ مسلوبة عن كل ما يوصف ببَ وصف إيجاب. ولما كانت جَ توصف ببَ وصف سلب لم يجب منه أن يوصف باَ وصف سلب سواء كانت الكبرى موجبة أو سالبة. وأما أن هذين الضربين ينتجان في المواد مرة موجبة صادقة ومرة سالبة صادقة، فذلك ظاهر متى جعلنا حدود المقدمتين الكليتين اللتين الكبرى منها موجبة والصغرى سالبة مرة الحي والإنسان والفرس على أن الحي هو الحد الإكبر والأوسط الإنسان والأصغر الفرس، ومرة الحي والإنسان والحجر. فإذا قلنا ولا فرس واحد إنسان وكل إنسان حي، انتج موجبا كليا- وهو أن كل فرس حي. وإذا قلنا ولا حجر واحد إنسان وكل إنسان حي، أنتج سالبا كليا- وهو قولنا ولا حجر واحد حي. وإذا كان هذا التركيب مرة ينتج السالب ومرة ينتج الموجب، فليس يلزم عنه شيء آخر من الاضطرار ودائما على ما أخذ في حد القياس. وإذا كان ذلك كذلك فليس بقياس. وكذلك الحدود التي تنتج الموجب في المقدمتين السالبتين الكليتين هي النطق والفرس والإنسان، والتي تنتج السالب هي النطق والفرس والحمار. وذلك أنه ولا إنسان واحد فرس واحد ناطق ينتج كل إنسان ناطق، وأيضا ولا حمار واحد فرس ولا فرس واحد ناطق. فإذن هذا التأليف مرة ينتج الموجب ومرة السالب، فليس بتأليف قياس.
1 / 6
فهذه حال المقاييس التي تأتلف من مقدمتين كليتين في هذا الشكل- أعني أن اثنتين منها منتج واثنتين غير منتج. إلا أنه ينبغي أن تعلم أن الذي كليتين سالبتين في هذا الشكل ليس ينتج أصلا شيئا من الأشياء لا بقياس صناعي ولا بقياس طبيعي، وهو الذي تأتي به الفكرة من غير روية. وأما التي الصغرى فيه سالبة فقد يظن به أنه ينتج سالبة جزئية إذا عكسنا المقدمات. لكن هذا النوع من الإنتاج ليس هو عن قياس تقع عليه الفكرة بالطبع، وإنما كان يكون لو كان هذا النوع من الشكل الأول قياسا طبيعيا. والمقصود هاهنا كما قلنا إنما هو إحصاء المقاييس التي تقع عليها أفكار الناس بالطبع.
وأما متى كانت إحدى المقدمتين في هذا الشكل كلية والأخرى جزئية، فإنه متى كانت الكلية هي الكبرى موجبة كانت أو سالبة وكانت الجزئية هي الصغرى وكانت موجبة فإنه يكون عن ذلك قياس منتج كانل. مثال ذلك أنه متى وضعنا أن بعض جَ هو بَ وكل بَ هو اَ، فإنه يجب أن يكون بعض جَ هو اَ. وذلك بين من معنى المقول على الكل، لأن معنى قولنا كل بَ هو اَ- كما قلناه غير مرة- هو كل ما يوصف ببَ وصف إيجاب فهو اَ، وبعض جَ وضع موصوفا ببَ، فواجب أن يكون ذلك البعض موصوفا بألف. وكذلك متى وضعنا أن بعض جَ هو بَ ولا شيء من بَ اَ، فإنه يجب عن ذلك أن بعض جَ ليس اَ، وذلك أيضا يبين من معنى المقول على الكل السالب، وعلى هذا النحو يلزم الأمر متى جعل عوض الجزئية في هذين الصفتين مهملة، لأن المهملة قوتها قوة الجزئية إذ كانت المهملة لا تنفك من أن تكون جزئية، وذلك هو الدائم الضروري الوجود فيها. وأما كونها دالة على المعنى الكلي فليس بلازم لها، ولذلك جعلوا قوتها قوة الجزئية.
وأما إذا كانت المقدمة الكلية هي الصغرى موجبة كانت أو سالبة، وكانت المقدمة الكبرى غير كلية إما مهملة وإما جزئية سالبة كانت أو موجبة، فإنه لا يكون عن ذلك قياس. وذلك ظاهر فيها من أنه ليس يوجد فيها معنى المقول على الكل. وظاهر أيضا من المواد- أعني أنها توجد تنتج في المواد مرة موجبا ومرة سالبا. ومثال ذلك متى وضعنا أن كل جَ هو بَ واَ موجودة في بعض بَ أو غير موجودة في بعض بَ، فإنه ليس يلزم عنه أن يكون اَ مسلوبة عن بعض جَ أو موجودة في بعض جَ وذلك أنه نقص هاهنا من شرط المقول على الكل الكلية الموجودة فيه، إذ كان معنى المقول على الكل أن يكون اَ محمولة بإيجاب أو بسلب على كل ما يوصف ببَ بإيجاب فقط واَ هاهنا إنما هي مقولة على بعض بَ لا على كلها.
ومثال الحدود التي تنتج الموجب الصادق في التي الصغرى منها كلية موجبة والكبرى جزئية موجبة الخير والقنية والحكمة وذلك أن كل حكمة قنية وبعض القنية خير والنتيجة فكل حكمة خير. والتي تنتج السالب الخير والقنية والجهل الذي على طريق الملكة- أعني المكتسب. وذلك أن كل جهل قنية وبعض القنية خير ولا جهل واحد خير. وهذا هو أيضا غير منتج بالطريق الطبيعي وكذلك متى وضعنا أنه ولا شيء من جَ هو بَ وبعض بَ اَ أو بعض بَ ليس هو اَ، فإنه لا ينتج نتيجة محفوظة الكيفية. وذلك بين أيضا من معنى المقول على الكل ومن المواد. فمثال حدود المقدمات التي تنتج الموجب مما الكبرى فيه موجبة جزئية والصغرى سالبة كلية الأبيض والفرس والققنس، وذلك أنه ولا ققنس واحد فرس وبعض الفرس أبيض ينتج كل ققنس أبيض. والحدود التي تنتج سالبة صادقة الأبيض والفرس والغراب، وذلك أنه ولا غراب واحد فرس وبعض الفرس أبيض ينتج ولا غراب واحد أبيض وهو سالب صادق.
وإذا تبين في أمثال هذه المقاييس أنها تنتج الموجب الكلي مرة والسالب الكلي مرة، فبين أنه ليس ينتج سالبا جزئية ولا موجبا جزئيا. وذلك أن من جهة أنها قد تنتج الموجب الكلي فليس يمكن فيها أن تنتج دائما سالبا جزئيا ومن جهة أنها تنتج السالب الكلي فليس يمكن فيها أن تنتج دائما لا موجبا كليا ولا جزئيا. وهذه ليست مقاييس بالإضافة إلى ما ينتج بطريق طبيعي. وكذلك يلفى الأمر إن أخذ هاهنا بدل الجزئية مهملة، إذ كانت قوتهما واحدة.
1 / 7
وكذلك أيضا متى كانت المقدمة الكبرى كلية موجبة كانت أو سالبة وكانت المقدمة الصغرى جزئية سالبة، فإنه لا يكون أيضا قياسا ينتج المطلوب بطريق طبيعي، لأن الطرف الأصغر لما كان ليس يوجد فيه الحد الأوسط- أعني ليس هو محمولا عليه بإيجاب- على الشريطة المفروضة في المقول على الكل، أمكن أن يوجد الطرف الأكبر فيه وأن لا يوجد في شيء منه. ومثال ذلك أنا إذا وضعنا أن بعض جَ غير موجودة لشيء من بَ وكل بَ اَ، فإنه يمكن أن ينتج أن اَ موجودة مرة لبعض جَ ومرة غير موجودة. ومثال حدود ذلك من المواد الحي والإنسان والأبيض. وذلك أن بعض الأبيض ليس بإنسان وكل إنسان حي. فإن قولنا بعض الأبيض ليس بإنسان- وهي السالبة الجزئية- يصدق مع السالبة الكلية- وهي قولنا ولا واحد من الأبيض إنسان- كان القياس مؤتلفا مع مقدمتين صغراهما سالبة كلية وكبراهما موجبة كلية، وقد تبين أن هذا غير منتج من جهة الحدود التي تنتج المتضادين. وإن كانت لا تصدق مع قولنا بعض الأبيض ليس بإنسان السالبة الكلية، فيكون بعض الأبيض ضرورة هو إنسان وبعضه ليس بإنسان. فإذن لا يوجد في هذا الوضع حدود تنتج المتضادين- أعني السالب والموجب- إذ كان يجب أن يكون بعض جَ هو اَ، لأنه إذا صدق مع قولنا بعض الأبيض ليس بإنسان قولنا إن بعض الأبيض إنسان، كان اللازم عن هذا التأليف تأليفا منتجا- وهو الذي يكون من موجبة صغرى جزئية وكبرى كلية- وقد تبين أنه ينتج ولابد موجبة جزئية. فلذلك لا يصح أن يوجد في مثل هذه المادة سالب كلي، لأنه نقيض للموجب الجزئي. لكن يبين في مثل هذه المادة- أعني إذا كانت المقدمة الجزئية السالبة صادقة مع الموجبة الجزئية، وهي التي تسمى جزئية بالطبع- أن هذا التأليف غير منتج، فإنه يمكن أن نجد في ذلك البعض الذي سلب عنه الإنسان ما يصدق عليه الحيوان وما يكذب عليه. وذلك أن بعض الأبيض الذي ليس بإنسان، إذا فرضنا أنه الثلج مثلا، صدق قولنا ولا ثلج واحد حيوان. وإذا فرضناه الققنس مثلا، صدق قولنا إن كل ققنس حيوان. فمن هذه الجهة قد يظهر لنا أن هذا التأليف مرة ينتج موجبا كليا صادقا ومرة سالبا كليا صادقا، وهما المتضادان.
وقد يمكن أيضا إن يقال أن هذا الشكل غير منتج من جهة أنه إنما يطلب هاهنا المنتج دائما لا بحسب مادة من المواد. ولما كان هذا التأليف إن سلمنا أنه ينتج موجبة جزئية، فإنما ينتجها في الموضع الذي تكون الجزئية السالبة فيه بالطبع- أعني في المادة التي تصدق معها الموجبة الجزئية- لا في الموضع الذي تصدق معها السالبة الكلية- وهي التي تسمى جزئية بالوضع- وكان المطلوب من التأليفات إنما هو المنتج بالذات وهو المنتج في كل مادة، لم يعد هذا التأليف في التأليفات المنتجة كما لا يعد الذي من موجبتين في الشكل الثاني منتجا وإن كان قد ينتج في بعض المواد لأن المواد التي يتأتى فيها الإنتاج من التي لا يتأتى فيها الإنتاج قد تكون مجهولة.
وكذلك يبين أيضا أن التأليف الذي تكون المقدمة الكبرى فيه سالبة كلية والصغرى سالبة جزئية أنه غير منتج بمثل هذا البيان بعينه. وحدود ذلك من المواد غير النامي والإنسان والأبيض. وذلك أن بعض الأبيض ليس بإنسان ولا إنسان واحد غير نام. فإن أخذنا من ذلك البعض الثلج وققنس، أنتج لنا أن الثلج غير نام وأن ققنس- الذي هو طائر- نام. فنجد هذا التأليف ينتج المتقابلين معا.
1 / 8
وإذا كانت المقدمتان المأخوذتان في هذا الشكل كلناهما جزئية أو مهملة أو إحداهما مهملة والثانية جزئية، فأنه لا يكون من ذلك قياس موجبتان كانتا معا أو سالبتان معا أو إحداهما موجبة والأخرى سالبة وذلك بين من أنه ليس يوجد فيها معنى المقول على الكل. إذ كان ذلك يقتضي شرطين، أحدهما أن تكون الكبرى كلية كيفما كانت في كيفيتها- أعني موجبة أو سالبة- وأن تكون الصغرى موجبة ولا بد كيفما كانت في كميتها- أعني كلية أو جزئية. وقد تبين أنه غير منتج من الحدود التي تنتج المتضادات في جميع هذه التأليفات. والحدود العامة لها أما فيما ينتج الموجب الكلي، فالحي والأبيض والإنسان- أعني أن يكون الحي هو الطرف الأعظم والأبيض الأوسط والإنسان الأصغر وذلك أنك تجد في هذه الحدود جميع أصناف تلك التأليفات وكلها ينتج موجبا. وذلك أن بعض الإنسان أبيض وبعض الأبيض حي وبعض الإنسان ليس بأبيض وبعض الأبيض ليس بحي. وكلها يلزم عنها أن الإنسان حي. وأما الحدود العامة لها التي ينتج فيها السالب الكلي، فالحي والأبيض والحجر- أعني أن يكون الحي هو الأكبر والأبيض الأوسط والأصفر والحجر.
فقد تبن المنتج في هذا الشكل من غير المنتج، وأن النتج منها أربعة فقط- وهو الذي يكون من موجبتين كليتين، ومن موجبة كلية كبرى وموجبة جزئية صغرى، ومن كلية سالبة كبرى وجزئية موجبة صغرى، ومن كلية سالبة كبرى وكلية موجبة صغرى- وأنه ينتج جميع أصناف القضايا- أعني أنه ينتج موجبة كلية وموجبة جزئية وسالبة كلية وسالبة جزئية- وأن المقاييس المنتجة في هذا الشكل كاملة، ولذلك سمي بالشكل الأول.
وما ظن القدماء من أن الثلاثة الأصناف التي في هذا الشكل قد تنتج نتيجتين- أعني أن الصنف الذي ينتج السالبة الكلية قد ينتج عكسها وكذلك الذي ينتج الموجبة الجزئية والذي ينتج الموجبة الجزئية والذي ينتج الموجبة الكلية أعني أنهما ينتجان أيضا عكسيهما وهي موجبة جزئية- فذلك جهل بغرض أرسطو هاهنا وذلك أن أرسطو إنما قصد أن يعدد هاهنا أصناف النتائج الموجودة بالذات وأولا للمقاييس الطبيعية، لا الموجودة بالقصد الثاني وعلى غير مجرى الطبع القياسي.
القول في الشكل الثاني
وأما متى حمل الحد الأوسط على الطرفين جميعا- أعني على موضوع المطلوب وعل محموله- وذلك إما بأن يكون محمولا عليهما بإيجاب أو سلب أو محمولا على أحدهما بإيجاب وعلى الثاني بسلب كان الحمل في كليهما كليا أو جزئيا أو في أحدهما كليا وفي الآخر جزئيا أو مهملا، فإنه بين أن مثل هذا التأليف هو تأليف قياسي وأن الفكرة الإنسانية تقع عليه بالطبع لا بطريق صناعي. مثال ذلك أنه قد يقول القائل هذا السقط ليس بحي، فيقال له ولم ذلك فيقول لأن الحي يستهل صارخا. فإنه من البين أن هذا القول قد حذف منه قائله المقدمة الصغرى لبيانها، وهي أن هذا الطفل لم يستهل صارخا وهذا هو أخذ المستهل صارخا- الذي هو الحد الأوسط- محمولا على الطرفين. فلنسم مثل هذا التأليف الشكل الثاني، ولنسم الحد المحمول عليهما أيضا الأوسط، وموضوع المطلوب الأصغر، ومحمول المطلوب الأكبر، والمقدمة التي موضوعها موضوع المطلوب المقدمة الصغرى، والتي موضوعها محمول المطلوب المقدمة الكبرى. ولنفرض الأول في القول هو الطرف الأصغر، ثم يليه الأوسط، ثم يليه الأعظم ليتميز لنا الطرف الأكبر من الأصغر لأنهما في هذا الشكل لا يتميزان إلا بالإضافة إلى المطلوب.
وهذا الشكل ليس يوجد فيه قياس كامل، وتوجد فيه قياسات منتجة، إذا كانت المقدمات كلية وغير كلية. فأما إذا كانت كلية فإن القياس إنما يوجد فيه، إذا كان الأوسط محمولا على أحد الطرفين- أيهما كان- بإيجاب وكان محمولا على الآخر بسلب. وأما إذا كان محمولا عليهما بإيجاب، فلن يكون فيه قياس منتج.
1 / 9
فلنضع أولا مقدمتين كليتين إحداهما سالبة والأخرى موجبة، ولتكن الكبرى هي السالبة والصغرى هي الموجبة، فأقول إنها تنتج سالبة كلية. مثال ذلك كل جَ هو بَ ولا شيء من اَ هو بَ، فأقول إنه يلزم عن ذلك ولا شيء من جَ هو اَ لأنه إذا عكسنا السالبة الكلية- وهي قولنا ولا شيء من اَ هو بَ فقلنا ولاشيء من بَ هو اَ وقد كان معنا أن كل جَ هو بَ، أنتجنا في الصنف الثاني من الشكل الأول على ما تبين أنه ولا شيء من جَ اَ. ولنضع السالبة أيضا هي الصغرى والموجبة هي الكبرى، فأقول إن هذا التأليف ينتج أيضا سالبة كلية. مثال ذلك قولنا ولا شيء من جَ هو بَ وكل اَ هو بَ، فهذا ينتج أنه ولا شيء من جَ هو اَ. برهان ذلك أنا نعكس المقدمة السالبة فيكون معنا ولا شيء من بَ هو جَ، وقد كان معنا أن كل اَ هو بَ، فينتج لنا في الصنف الثاني من الشكل الأول أنه ولا شيء من اَ هو جَ، ثم نعكس هذه النتيجة فيكون معنا ولا شيء من جَ هو اَ. وهذه النتيجة بعينها كانت نتيجة القياس الأول من هذا الشكل.
وأما إذا كانت المقدمتان الكليتان موجبتين أو سالبتين معا، فإنه لا يكون عن غير ذلك قياس منتج. ومثال ذلك أنه إذا وضعنا كل جَ هو بَ وكل اَ هو بَ، فأقول إنه ليس يلزم عن ذلك أن يكون كل جَ هو اَ ولا بعض جَ هو اَ، وذلك بين من المواد التي تنتج المتضادات. فمثال الحدود التي تنتج الموجب من المواد الإنسان والجوهر والحي على أن نأخذ الجوهر هو الحد الأوسط، وذلك أن كل إنسان جوهر وكل حي جوهر، وهذا ينتج في هذه المادة أن كل إنسان حي. ومثال الحدود التي تنتج السالب من المواد الحجر والجوهر والحي، وذلك أن كل حجر جوهر وكل حي جوهر ولا حجر واحد حي.
وكذلك متى وضعنا أنه ولا شيء من جَ هو بَ ولا شيء من اَ هو بَ، فإنه يوجد هذا التأليف أيضا في المواد ينتج المتضادين معا. ومثال الحدود التي تنتج الموجب الإنسان والخط والحي، وذلك أنه ولا إنسان واحد خط ولا حي واحد خط وكل إنسان حي. ومثال الحدود التي تنتج السالب الكلي الحجر والخط والحي، وذلك أنه ولا حجر واحد خط ولا حي واحد خط ينتج ولا حجر واحد حي. فيوجد هذان التأليفان مرة ينتجان الموجب ومرة ينتجان السالب، فليسا بقياس.
فقد تبين من هذا القول إذا كانت المقدمتان كليتين متى يكون قياس في هذا الشكل ومتى لا يكون، وأن القياسات المنتجة في هذا الشكل ليست بكاملة، إذ كانت إنما يبين أنها منتجة بغيرها لا بنفسها- وهو ردها إلى الشكل الأول.
فأما إذا كانت إحدى المقدمتين في هذا الشكل كلية والأخرى جزئية، فإنه إذا كانت الكبرى كلية والصغرى جزئية وكانت إحداهما مخالفة للأخرى في الكيفية- أعني إن كانت إحداهما سالبة كانت الأخرى موجبة- فإنه يكون من ذلك قياسات منتجة. فلتكن أولا الكبرى سالبة كلية والصغرى موجبة جزئية. ومثال ذلك أن يكون بعض جَ هو بَ ولا شيء من اَ بَ. فأقول إنه من الاضطرار أن يكون بعض جَ ليس هو اَ لأنه ينعكس ولا شيء من اَ بَ فيكون معنا بعض جَ هو بَ ولاشيء من بَ اَ، فيرجع هذا إلى الشكل الأول. وقد تبين أنه يلزم في هذا الشكل أن يكون بعض جَ ليس فيه شيء من اَ. ولتكن أيضا المقدمة الكبرى الكلية الموجبة والصغرى السالبة الجزئية. مثال ذلك أن يكون بعض جَ ليس بَ وكل اَ هو بَ، فأقول إنه يلزم عنه جزئية سالبة وهي أن بعض جَ ليس هي اَ. برهان ذلك أنه إن لم يكن قولنا إن بعض جَ ليس هو اَ صادقا، فليكن الصادق نقيضه- وهو أن كل جَ هي اَ- ونضيف إليه المقدمة الثانية التي وضعنا- وهي قولنا وكل اَ بَ- فيلزم عنه في الشكل الأول أن يكون كل جَ هو بَ، وقد وضعنا أن بعض جَ ليس بَ، هذا خلف لا يمكن. وما لزم عنه الكذب فهو كذب، والكذب إنما لزم عن وضعنا أن كل جَ اَ فقولنا كل جَ اَ كذب، فنقيضه إذن صادق وهو قولنا بعض جَ ليس اَ- وذلك ما أردنا بيانه.
1 / 10
وأما إذا كانت المقدمة الكبرى في هذا الشكل هي الجزئية والصغرى هي الكلية وكانت احداهما مخالفة في الكيفية للثانية، فإنه لا يكون أيضا عن ذلك قياس. فلتكن أولا الكبرى جزئية سالبة والصغرى موجبة كلية. مثال ذلك أن يكون كل جَ هو بَ وبعض اَ ليس هو بَ، وبيان ذلك أنها توجد تنتج في المواد المختلفة المتضادين معا. فالحدود التي تنتج الموجب الغراب والحي والجوهر، والغراب هو الأصغر والحي هو الأوسط، فإن كل غراب حي وبعض الجوهر ليس بحي، فينتج كل غراب جوهر وهو موجب صادق. وأما الحدود التي تنتج السالب فهي الغراب والحي والأبيض، وذلك أن كل غراب حي وبعض الأبيض ليس بحي، فينتج ولا غراب واحد أبيض، وذلك صادق. وكذلك أيضا لا يكون قياس إذا كانت الكبرى موجبة جزئية والصغرى سالبة كلية. ومثال ذلك من الحروف ولا شيء من جَ هو بَ وبعض اَ هو بَ. والحدود التي تنتج الموجب في هذا التأليف هي الحجر والحي والجوهر، والحجر هو الأصغر والحي هو الأوسط، وذلك أنه ولا حجر واحد حي وبعض الجوهر حي، تكون النتيجة كل حجر جوهر. والحدود التي تنتج السالب هي العلم والحي والجوهر، والعلم هو الأصغر بحسب ترتيبنا والحي هو الأوسط، وذلك أن العلم ليس بحياة وبعض الجواهر حية، والنتيجة العلم ليس بجوهر.
فقد تبين إذا كانت المقدمة الكلية في هذا الشكل مخالفة للجزئية في كيفيتها، متى يكون قياس ومتى لا.
وأما إذا كانت الكلية والجزئية متوافقتين في الكيفية- أعني إما سالبتين معا أو موجبتين معا- فلا يكون منهما قياس البتة. فلتكن أولا سالبتين ولتكن الكلية هي المقدمة الكبرى والجزئية الصغرى. ومثال ذلك أن تكون بَ ليست في كل جَ ولا شيء من اَ هو بَ. وبرهان ذلك أن قولنا بَ ليست في كل جَ هو غير محدود، فقد تصدق معه السالبة الكلية، وقد تصدق معه الموجبة الجزئية. فإذا صدقت معه السالبة الكلية، لم يكن منتجا على ما تبين ووجدت حدود تنتج الموجبة. وإذا صدقت معها الموجبة الجزئية لم توجد حدود تنتج موجبة كلية، وذلك أنه لو وجدت حدود تنتج أن كل جَ هو اَ وقد كان معنا ولا شيء من اَ هو بَ، لقد كان يجب أن يكون ولا شيء من جَ هو بَ، فتكون الجزئية السالبة سالبة بالوضع لا بالطبع. وقد كنا فرضناها سالبة بالطبع، وهي التي تصدق معها بعض جَ هو بَ، هذا خلف لا يمكن. لكن بين أن هذا التأليف غير منتج من قبل أن تلك السالبة الجزئية غير محدودة- أعني أنها مرة تكون جزئية بالطبع ومرة بالوضع- فتكون مرة تنتج ومرة لا تنتج. وما كان مرة ينتج ومرة لا ينتج لم يعد قياسا، إذ القياس هو الذي ينتج نتيجة واحدة دائما وباضطرار. وقد يمكن أن يستعمل في هذا البيان المتقدم الذي استعمل في نظير هذا من الشكل الأول بأن يؤخذ من ذلك البعض شيء يصدق عليه محمول المطلوب وشيء يكذب عليه. مثال ذلك أن نقول بعض الأبيض ليس بحي ولا حجر واحد حي، ثم نأخذ من بعض الأبيض ما يكذب عليه الحجر- وهو الثياب البيض- وما يصدق عليه الحجر- وهو الرخام- ولكن هذا البيان قوته قوة النقل الى السالبة الصغرى الكلية. وذلك ما يظن أن أرسطو أضرب هاهنا عنه.
ولتكونا أيضا موجبتين وتكون الكلية الكبرى والجزئية الصغرى مثل أن يكون بعض جَ بَ وكل اَ بَ- فإنه أيضا لا يكون عن ذلك قياس. وذلك أنه إن صدقت مع الموجبة الجزئية الموجبة الكلية، كان ذلك غير منتج على ما تبين، ووجدت حدود تنتج الموجب فيها والسالب. وإن صدقت معها السالبة الجزئية، لم توجد هنالك حدود تنتج الموجب الكلي للسبب الذي قلناه في الذي يكون من سالبتين، لكن بين أنه غير منتج بذلك الوجه بعينه الذي تبين به ذلك.
وأما إن كانتا جميعا سالبتين وكانت المقدمة الكلية هي الصغرى والكبرى هي الجزئية- مثل أن يكون ولا شيء من جَ بَ وبعض اَ ليس بَ- فإنه لا يكون عن ذلك قياس. والحدود التي تنتج الموجب الكلي فيه هي الغراب والأبيض والحي، والغراب هو الأصغر والأبيض هو الأوسط والحد الأكبر هو الحي. والتي تنتج السالب الغراب والأبيض والحجر، والغراب هو الأصغر والأبيض الأوسط والحجر الأكبر.
1 / 11
وكذلك لا يكون قياس وإن كانتا موجبتين معا وتكون المقدمة الكلية هي الصغرى والجزئية هي الكبرى، لأنه ينتج المتضادتين. فمثال الحدود التي تنتج الموجب الققنس والأبيض والحي، والققنس هو الأصغر والأبيض الأوسط. وذلك أن كل ققنس أبيض وبعض الحي أبيض، والنتيجة كل ققنس حي. والتي تنتج السالب الكلي الثلج والأبيض والحي. وذلك أن كل ثلج أبيض وبعض الحي أبيض، والنتيجة ولا ثلج واحد حي.
فقد تبين أنه إذا كانت المقدمتان متشابهتين في الكيفية ومختلفتين في الكمية أنه لا يكون في هذا الشكل قياس.
وأما إذا كانت كلتاهما جزئية أو مهملة أو إحداهما جزئية والثانية مهملة، فإنه لا يكون أيضا منهما قياس كانتا موجبتين معا أو سالبتين معا أو إحداهما موجبة والثانية سالبة، لأن جميعها تنتج في المواد المختلفة الموجبة تارة والسالبة تارة. والحدود العامة التي تنتج الموجب في جميعها هي الإنسان والأبيض والحي، والإنسان هو الأصغر والأبيض الأوسط والحي الأكبر. ولن يخفى عليك تأليفها. وكلها ينتج أن الإنسان حي. والحدود العامة لجميعها التي تنتج السالب غير النامي والأبيض والحي، والأصغر هو غير النامي والأوسط الأبيض. وكلها ينتج أن غير النامي ليس بحي.
فقد تبين من هذا القول أنه إذا وجد في هذا الشكل قياس منتج فمن الاضطرار أن تكون المقدمات على ما وضعنا- أعني أن تكون الكبرى كلية والثانية مخالفة لها في الكيفية- وأنه إذا وجدت المقدمات بهذه الصفة فمن الاضطرار أن يكون في هذا الشكل قياس. وتبين مع هذا أن كل قياس يكون في هذا الشكل فهو غير كامل، إذ كان إنما يبين فيه أنه قياس إذا زيد فيه أشياء أخر إما من الأمور اللاحقة باضطرار لمقدماته- مثل انعكاسها ورجوعها إلى الشكل الأول- وإما باستعمال بيان الخلف في ذلك. وهو بين أنه لا يكون في هذا الشكل نتيجة موجبة وإنما تكون سالبة كلية أو جزئية.
القول في الشكل الثالث
وإذا كان الحد الأوسط موضوعا لطرفي المطلوب والطرفان محمولان عليه، فإنه يسمى هذا الشكل الشكل الثالث- مثل أن تكون اَ وجَ محمولتين على بَ. وهو بين أن هذا الشكل أيضا شكل طبيعي، وذلك أنه قد يقول القائل إن جَ هي اَ لكون بَ هي جَ وبَ هي اَ. ومن المواد الجسم محدث لأن الحائط جسم ولأن الحائط محدث. والمقدمة التي فيها موضوع المطلوب تسمى الصغرى- وهو الذي يسمى الحد الأصغر- والتي فيها محمول المطلوب- الذي هو الطرف الأكبر- تسمى الكبرى، وليكن مثال الطرف الأصغر جَ والأوسط بَ والأكبر اَ، ويكون ترتيبها في القول بأن نبدأ أولا بالحد الأوسط ثم يليه الأصغر ثم يليه الأكبر.
وليس يكون أيضا في هذا الشكل قياس كامل وقد يمكن أن يكون فيه قياس، إذا كانت مقدمتاه كليتين أو إحداهما كلية والأخرى جزئية، وقد يمكن أن لا يكون فيهما قياس.
فلتكن أولا المقدمتان كليتين ولتكن موجبتين. مثال ذلك قولنا كل بَ هو ج َ وكل بَ هو اَ، فأقول إنه ينتج بعض جَ هو اَ لأنه تنعكس الصغرى الكلية- وهي قولنا كل بَ هو جَ- جزئية فيصير بعض جَ هو بَ، ومعنا أن كل بَ هو اَ فينتج في الشكل الأول أن بعض جَ هو اَ، على ما تبين هنالك. وقد يبين هذا بالخلف وبالافتراض. أما بالخلف فبأن تأخذ نقيض النتيجة ونضيف إليها إحدى المقدمتين، فيلزم عنهما نقيض المقدمة الثانية، وما لزم عنه الكذب فهو كذب. وأما بالافتراض فبأن نفرض بعض بَ هو زَ، ولأن جَ في كل بَ، وزَ هو جزء من بَ، فزَ ضرورة جزء من جَ، ولأن اَ في كل بَ، وزَ جزء من بَ، فزَ ضرورة جزء من اَ وقد كانت جزءا من جَ، فبعض جَ هو اَ.
وكذلك متى كانت المقدمة الكبرى سالبة والصغرى موجبة، فإنه يكون أيضل قياس. مثال ذلك قولنا كل بَ هو جَ ولا شيء من بَ هو اَ، فأقول إنه ينتج بعض جَ ليس هو اَ- أعنى سالبة جزئية- لأنه إذا عكسنا الموجبة الكلية جزئية، ائتلف القول هكذا: بعض جَ هو بَ ولا شيء من بَ اَ فبعض جَ ليس هو اَ، وذلك في الشكل الأول.
1 / 12
وأما إذا كانت الكلية السالبة هي الصغرى والكلية الموجبة هي الكبرى- مثل قولنا ولا شيء من بَ هو جَ وكل بَ هو اَ- فإنه لا يكون في ذلك قياس ينتج المطلوب، لأنه ينتج المتضادين عند استعماله في المواد. فمثال الحدود التي تنتج الموجب الفرس والإنسان والحي، والأصغر هو الفرس والأوسط هو الإنسان. وذلك أنه ولا إنسان واحد فرس وكل إنسان حي ينتج وكل فرس حي، وهو موجب صادق. والحدود التي تنتج السالب غير النامي والإنسان والحي، فالإنسان ليس بغير نام والإنسان حي، وينتج أن غير النامي ليس بحي.
وأما إذا كانت المقدمتان الكليتان سالبتين فإنه لا يكون قياس أصلا. فالحدود التي ينتج فيها الموجب الفرس وغير النامي والحي، والفرس هو الأصغر وغير النامي الأوسط، وذلك أن غير النامي ليس بفرس وليس بحي ينتج الفرس حي. والتي تنتج السالب الفرس وغير النامي والإنسان، والفرس الأصغر وغير النامي الأوسط والإنسان الأكبر، وذلك أن غير النامي ليس بفرس وغير النامي ليس بإنسان والفرس ليس بإنسان.
فقد تبين متى يكون قياس في هذا الشكل إذا كانت المقدمتان كليتين ومتى لا يكون، وذلك أنه إذا كانتا موجبتين كان قياس ينتج موجبا جزئيا، وكذلك متى كانت الكبرى هي السالبة والصغرى هي الموجبة كان قياس ينتج سالبا جزئيا. وأما إذا كانتا سالبتين أو كانت الصغرى الكلية هي السالبة والكبرى هي الموجبة، فإنه لا يكون قياس.
وأما إذا كانت إحداهما كلية والأخرى جزئية- أيهما اتفق- وكانتا موجبتين، فإنه يكون قياس منتج موجبة جزئية. مثال ذلك أنه إذا وضعنا أن كل بَ هو جَ وبعض بَ هو اَ، فأقول إن بعض جَ هو اَ- أعني إذا كانت الصغرى هي الكلية والكبرى الجزئية- وذلك أنه ينعكس بعض بَ هو اَ فيكون معنا بعض اَ هو بَ وكل بَ هو جَ، ينتج في الشكل الأول أن بعض اَ هو جَ، ثم نعكس هذه النتيجة فينتج المطلوب- وهو أن بعض جَ هو اَ وهذا ينتج بعكسين.
وكذلك أيضا إن كانت الجزئية هي الصغرى والكلية هي الكبرى، فإنه يكون قياس منتج. ومثال ذلك أن نضع أن بعض بَ هو ج وكل بَ هو اَ، فأقول إنه ينتج أن بعض جَ هو اَ. وذلك أنه تنعكس هذه الجزئية، فيكون معنا بعض جَ هو بَ وكل بَ هو اَ، فينتج في الشكل الأول أن بعض جَ هو اَ. وقد يبين هذا بالافتراض، وذلك أنا فرضنا بعض بَ مثلا هو زَ، كان كل زَ هي جَ وكل زَ هي اَ، ورجع إلى الذي من كليتين موجبتين في هذا الشكل- أعني أنه ينتج بعض جَ هي اَ. وقد يبين بسياقة الكلام إلى المحال- وهو الذي يسمى الخلف- وذلك بأن نأخذ نقيض النتيجة فنضيف إليها إحدى المقدمتين، فيلزم أن تكذب الثانية. مثال ذلك أن نأخذ ولا شيء من جَ هو اَ- الذي هو نقيض النتيجة- ونضيف إليها المقدمة الصغرى- وهي قولنا بعض بَ هي جَ- فينتج لنا في الشكل الأول أن بعض بَ ليست اَ، وهو نقيض المقدمة الكبرى التي وضعنا- وهو أن كل بَ هو اَ. فقد ساق الكلام بوضع نقيض تلك النتيجة فيه إلى المحال، فذلك النقيض إذن محال، فالنتيجة صادقة.
فأما إذا كانت إحداهما موجبة والثانية سالبة، وكانت المقدمة السالبة هي الكبرى والموجبة هي الصغرى، فقد يكون قياس. مثال ذلك أنا نفرض أولا أن السالبة الكبرى هي الجزئية والموجبة الصغرى هي الكلية- مثل أن يكون كل بَ هو جَ وبعض بَ ليس اَ- فأقول إنه ينتج أن بعض جَ ليس هو اَ ن وذلك بسياقة الكلام إلى المحال. وذلك إن لم يكن صادقا قولنا بعض جَ ليس اَ، فليكن الصادق نقيضه- هو أن كل جَ هو اَ- فإذا أضفنا إلى هذه المقدمة الصغرى- وهي كل بَ جَ- أنتج لنا أن كل بَ هو اَ، وذلك محال لأنه نقيض المقدمة الكبرى لأنا قد كنا وضعنا أن بعض بَ ليس اَ، فنقيضه هو الصادق- هو أن بعض جَ ليس اَ. وقد يبين ذلك بالفرض إذا فرض بعض بَ شيئا محسوسا وليكن مثلا زَ، فيكون معنا ولا شيء من زَ هو اَ وكل زَ هو جَ لأن زَ جزء بَ، فيعود إلى الصنف المنتج من هذا الشكل- أعني الذي من كليتين الكبرى سالبة والصغرى موجبة- وينتج بعض جَ ليس اَ. وهذا الصنف ليس يتبين بالانعكاس.
وكذلك إذا كانت السالبة الكبرى هي الكلية، والموجبة الصغرى هي الجزئية، فإنه يكون أيضا قياس منتج. ومثال ذلك بعض بَ هو جَ، ولا شيء من بَ هو اَ، فينتج بعض جَ ليس هو اَ. وذلك أنا إذا عكسنا الموجبة الصغرى منه رجع إلى الشكل الأول.
1 / 13
وأما وإن كانت المقدمة الكبرى هي الموجبة والصغرى هي السالبة، فإنه لا يكون في ذلك قياس على المطلوب. وهذا صنفان كما الأول أحدهما أن تكون الكبرى هي الكلية والصغرى هي الجزئية. والصنف الثاني عكس هذا. فلنضع أولا الكبرى هي الكلية والصغرى هي الجزئية. مثال ذلك قولنا بعض بَ ليس هو جَ وكل بَ هو اَ، فأقول إن هذا غير منتج. وذلك أنه ينتج في المواد المختلفة المتضادين معا. فمثال المواد التي ينتج فيها الموجب الإنسان والحي والنامي، والإنسان هو الأصغر والحي هو الأوسط والنامي هو الأكبر. وذلك أن بعض الحي ليس بإنسان وكل حي نام وكل إنسان نام. وإما الحدود التي تنتج السالب فليس توجد، إذ كان قد يصدق مع السالبة الجزئية الموجبة الجزئية. فيكون بعض بَ هو جَ وكل بَ هو اَ، فبعض جَ إذن هو اَ. فإذن ليس يصدق ولا شيء من جَ هو اَ. لكن هذا الصنف يعد في غير المنتج من قبل أنه إنما ينتج في بعض المواد- وهي المادة التي تصدق فيها مع السالبة الجزئية الموجبة الجزئية.
وكذلك إذا كانت الصغرى هي الكلية والكبرى هي الجزئية. مثال ذلك أن يكون ولا شيء من بَ هو جَ وبعض بَ هو اَ، فأقول إنه غير منتج. فالحدود التي تنتج الموجب المائي والإنسان والحي، وذلك أنه ولا مائي واحد إنسان وبعض المائي حي وكل إنسان حي، وهي النتيجة. والحدود التي تنتج السالب المائي والعلم والحي، وذلك أنه ولا مائي واحد له علم وبعض المائي له حياة، فلا علم واحد حياة.
وكذلك أيضا لا يكون قياس، إذا كانتا سالبتين معا- أعني الكلية والجزئية. ومثال الحدود التي تنتج السالب إذا كانت الصغرى هي الكلية النامي والعلم والحي، والنامي هو الأوسط هو الأصغر والحي الأعظم، وذلك أن النمو ليس بعلم وبعض النمو ليس بحياة والعلم ليس بحياة، وهي النتيجة. ومثال الحدود التي تنتج الموجب المائي والإنسان والحي، وذلك أن المائي ليس بإنسان وبعض المائي ليس بحيوان وكل إنسان حيوان، وهي النتيجة. والحدود التي تنتج السالب، إذا كانت المقدمة الكبرى هي الكلية البياض والثلج والغراب، وذلك أن بعض الأبيض ليس بثلج ولا ابيض واحد غراب، والنتيجة ولا ثلج واحد غراب. وأما الحدود التي تنتج الموجب فيه فليس يوجد للعلة التي تقدمت- أعني لأنه قد يصدق فيه مع السالبة الجزئية الموجبة الجزئية- وذلك أنه إن كان كل جَ هو اَ وقد كان معنا بعض بَ هو جَ، أنتج لنا أن بعض بَ هو اَ، وقد وضعنا في مقدمات هذا القياس ولا شيء من بَ اَ، هذا خلف لا يمكن. فإذن لا يمكن في هذا الصنف أن ينتج موجبا أصلا. لكن يعلم أنه ليس بقياس لأنه ليس ينتج نتيجة واحدة دائما، وذلك أنه لا يدرى الموضع الذي يصدق فيه مع السالبة الجزئية الموجبة الجزئية من الموضع الذي يصدق فيه معها السالبة الكلية.
وأما إذا كانت المقدمتان في هذا القياس جزئيتين أو مهملتين أو احداهما جزئية والأخرى مهملة، موجبتين كانتا معا أو سالبتين معا أو إحداهما موجبة والأخرى سالبة، فإنه لن يكون في ذلك قياس. والحدود التي تنتج الموجب- العامة لهذه الضروب كلها- البياض والإنسان والحي. والتي تنتج السالب الأبيض وغير النامي والحي. والأبيض هو الحد الأوسط فيهما والحي هو الأكبر.
فقد تبين من هذا القول متى يكون قياس في هذا الشكل ومتى لا يكون قياس، وأنه إذا كانت الصغرى في هذا القياس موجبة وكانت فيه مقدمة كلية إما الصغرى وإما غيرها أنه يكون قياس منتج، وأنه إذا كان قياس منتج فمن الاضطرار أن تكون المقدمات بهذه الصفة. وتبين أيضا أن القياسات في هذا الشكل غير كاملة، وأن منها ما يبين بالانعكاس والافتراض والخلف ومنها ما يبين بالافتراض والخلف، وأنه ليس يوجد في هذا الشكل نتيجة كلية لا سالبة ولا موجبة، وأنه يعم الأشكال كلها أنه لا ينتج فيها من سالبتين ولا من جزئيتين ولا من مهملتين ولا من مهملة وجزئية إذ كانت المهملات قوتها قوة الجزئيات.
الأمور العامة للأشكال الثلاثة
1 / 14
وتبين أنه إذا كان في كل واحد من أصناف المقاييس مقدمتان إحداهما كلية سالبة والأخرى موجبة، أنه قد يكون قياس منتج دائما- أعني أنه ينتج مطلوبا مفروضا وغير مفروض. أما المطلوب المفروض فمتى كانت السالبة الكلية هي الكبرى في الشكل الأول. وأما غير المفروض فمتى كانت الصغرى هي الكلية السالبة، وكذلك الحال في الشكل الثاني الذي تكون فيه الصغرى كلية والكبرى جزئية ن وفي الشكل الثالث الذي تكون الصغرى فيه سالبة. وذلك أنه إذا كان ولا شيء من جَ هو بَ وكل بَ هو اَ، فإذا عكست هاتان المقدمتان فقيل بعض اَ هو بَ ولا شيء من بَ هو جَ، فأنه ينتج بعض اَ ليس هو جَ. لكن لم تعد أمثال هذه المقاييس في المقاييس المقصودة هاهنا، إذ كان المطلوب هاهنا إنما هو القياس الذي تقع عليه الفكرة بالطبع بالإضافة الى المطلوب المحدود. فأما القياس الذي ينتج غير المطلوب، فليس تعتمده القوة الفكرية بالطبع ولا تؤلفه أصلا، لأنه مثلا إذا طلبنا هل اَ في جَ فقلنا اَ في جَ لأن اَ في بَ وبَ في جَ، كان ذلك قياسا طبيعيا موجودا في كلام الناس كثيرا، وهذا هو الشكل الأول. وكذلك إذا قلنا اَ في جَ لأن بَ في جَ وفي اَ، فهو بين أن هذا التأليف موجود لنا بالطبع، وهذا هو الشكل الثاني وهو موجود كثيرا في كلام الناس بالطبع. وكذلك إذا قلنا اَ في جَ لأن اَ وجَ في بَ، هذا أيضا قياس موجود لنا بالطبع، وهذا هو الشكل الثالث. وأما أن نقول أن اَ في جَ لأن جَ في بَ وبَ في اَ، فهو شيء لا يفعله بالطبع أحد، لأن الذي يلزم منه هو غير المطلوب، وهو أن جَ في اَ. فكأن هذا بمنزلة من قال اَ في جَ لأن اَ في بَ وبَ في دَ، وهذا شيء لا تفعله الفكرة بالطبع.
ومن هنا يبين أن الشكل الرابع- الذي يذكره جالينوس- ليس بقياس تقع عليه الفكرة بالطبع. وذلك أنه إذا طلبنا هل جَ فيها اَ فقلنا جَ فيها اَ لأن بَ في اَ وجَ في بَ، فنحن بين أحد أمرين، إما أن نلحظ اللازم عن هذا التأليف ونطرح ذلك المطلوب بالجملة- وهو أن جَ في اَ- وذلك خلاف ما طلبنا، وإما أن يكون عندما نأتي بهذا التأليف يبقى المطلوب في أذهاننا على ما كان عليه عند الطلب- وهو أن يكون الموضوع فيه موضوعا والمحمول محمولا. وذلك أن كل مطلوب واحد فالموضوع فيه موضوع بالطبع، والمحمول فيه محمول بالطبع، فإذا بقي الموضوع موضوعا عندنا في المطلوب والمحمول محمولا- وذلك موجود في أذهاننا بهذه الصفة مادام المطلوب مطلوبا- ثم أتينا بحد أوسط يكون محمولا على محمول المطلوب وموضوعا لموضوع المطلوب- على ما يرى جالينوس أن هذا شكل رابع- بالإضافة إلى المطلوب، وإلا فما هاهنا شكل رابع وإنما هاهنا شكل أول إما على المطلوب وإما على عكسه. لكن لننزل هاهنا أن هذا الشكل الرابع إنما نتصوره على هذه الجهة- أعني بالإضافة إلى المطلوب المحدود الذي الموضوع فيه موضوع بالطبع والمحمول محمول بالطبع- فإنه ليس يتصور شكل رابع إلا على هذا الوجه. فمتى طلبنا وجود شيء في شيء وأخذنا حدا أوسط فحملناه مرة على محمول المطلوب ومرة حملنا عليه موضوع المطلوب، عاد المطلوب موضوعا والموضوع مطلوبا فانعكس الطلب والقياس وأنتج العكس، وذلك في غاية الاستكراه. فهذا هو السبب في أن لم تؤلفه فكرة بالطبع على مطلوب محدود حتى يكون هاهنا قياس ينتج المطلوب المحدود بعكسين كما يراه جالينوس في الشكل الرابع على ما يقال عنه. والفرق بين هذا العكس والعكس الذي يستعمله أرسطو في رد كثير من أصناف الشكل الثاني والثالث إلى الأول أن ذلك العكس هو في تبين الإنتاج في مقاييس طبيعية، وهذا عكس في تبين الإنتاج في قياس صناعي لا طبيعي. وإنما لم يلتف أرسطو إلى المقاييس الصناعية لأنها غير محاكية للوجود وتكاد أن تكون غير متناهية. ولذلك ظن قوم أنه توجد نتائج كثيرة في كل واحد من الأشكال غير النتائج التي ذكرها أرسطو، وذلك إما جزئياتها وإما عكوسها. وتلك إن جعلت مطلوبات، ثم أنتجت بتوسط النتائج الأول، فذلك إنتاج بطريق غير طبيعي بل صناعي.
1 / 15
وأرسطو يبين أن الصنفين الكليين من الشكل الأول-أعني اللذين ينتجان نتيجة كلية- أكمل الأشكال كلها، لأن جميع أصناف المقاييس المنتجة التي في الشكل الثاني ترجع الكلية منها إلى الكلية في هذا الشكل وترجع الجزئية التي فيه الى الجزئية، وجميع أصناف الشكل الثالث إلى الجزئية التي في الشكل الأول. وذلك أن جميع أصناف الشكل الثالث إنما ينتج جزئية والجزئية التي في الشكل الأول يمكن فيها أن تبين على طريق الخلف بالكلية التي في الشكل الثاني التي تبين بالكلية التي في الشكل الأول، فيكون هذان الصنفان من الشكل الأول أكمل من جميع أصناف المقاييس المنتجة، إذ كلها يمكن أن يبين بهذين الصنفين.
وأما كيف تبين الجزئية التي في الشكل الأول على طريق الخلف بالكلية التي في الشكل الثاني، فعلى ما أقول. وذلك أنه كانت اَ موجودة في كل بَ وبَ في بعض جَ، فأقول إن اَ موجودة في بعض جَ. فإن لم يكن ذلك فنقيضها هو الصادق- وهو أنه ولا شيء من اَ في جَ- وقد كان معنا أن اَ موجودة في كل بَ، فينتج في الشكل الثاني أن بَ غير موجودة في شيء من جَ، وقد كنا فرضناها في بعض جَ، هذا خلف لا يمكن. وبمثل هذا يبين إنتاج السالب الجزئي في الشكل الأول بالكلى السالب من الشكل الثاني عن طريق الخلف.
فقد تبين من هذا القول أصناف القياسات المطلقة التي توجب إثبات شيء وإبطاله.
جهات مقدمات المقاييس
القول في القياسات الاضطرارية
قال: ولأن المقدمات المطلقة والاضطرارية والممكنة يخالف بعضها بعضا في الجهة وفي المادة التي تدل عليها الجهة- وذلك أن هاهنا أشياء كثيرة موجودة بالفعل من غير أن يكون وجودها باضطرار وهذه هي المطلقة، وأشياء ليست بمضطرة أن تكون ولا هي موجودة بالفعل بل هي ممكنة أن توجد في المستقبل وأن لا توجد وهذه هي الممكنة، وأشياء هي موجودة دائما وهذه هي المضطرة- فهو بين أنه يجب أن تكون المقاييس المؤلفة من صنف صنف من هذه مختلفة من قبل اختلاف مقدماتها. فيكون القياس الاضطراري مؤلفا من مقدمات اضطرارية، والقياس المطلق من مقدمات مطلقة، والممكن من مقدمات ممكنة.
فأما المقاييس التي تأتلف من المقدمات الاضطرارية فقريبة من المقاييس التي تأتلف من المقدمات المطلقة، وذلك أن الأشياء التي تشترط في المنتجة من المطلقة هي بعينها تشترط في المنتجة من الضرورية والأشياء التي هي سبب عدم الإنتاج في غير المنتج منها هي بعينها سبب عدم الإنتاج في الضرورية، إذ كان لا فرق بينهما إلا زيادة الاضطرار فقط. ولذلك كانت الأصناف المنتجة من المطلقة وغير المنتجة على عدد المنتجة وغير المنتجة من الضرورية. وإنما الفرق بينهما في أن المطلقة تقال على ما كان موجودا بالفعل من غير أن يشترط في ذلك وجود ضرورة- أعني في جميع الزمان. وذلك أن المطلقة هي التي توجب أن يوجد المحمول فيها في كل الموضوع مادام الموضوع موصوفا بصفة من الصفات التي يمكن أن تفارقه. والضرورية هي التي يوجد فيها في كل الموضوع من جهة ما الموضوع موصوفا بصفة لا تفارقه. فمثال المطلقة الأولى قولنا كل ماش متحرك ومثال الضرورية كل إنسان ناطق. وليست المطلقة ما يحكى عن الإسكندر ولا ما حكى عن ثاوفرسطس، وقد بينا ذلك في مقالة أفردناها لذلك، وأن الضرورية تقال على ما كان موجودا بالفعل ومشترطا فيه هذه الزيادة.
1 / 16
وجهة البيان فيما يأتلف من المنتج في الشكل من الاضطرارية هو بعينه جهة البيان فيما يأتلف من المطلقة. وذلك أنه لا فرق بين المقول على الكل أو المقول ولا على شيء، وهو الشرط الذي به يكون القياس في الشكل الأول منتجا في المادة المطلقة أو الضرورية. وذلك أن معنى المقول على الكل فيهما إنما هو أن تكون اَ مقولة بإيجاب أو سلب على كل ما هو بالفعل بَ سواء كان ما هو بالفعل موجودا بزيادة شرط الضرورة أو بغير زيادة ذلك. وأما شرط المقول على الكل المستعمل في المادة الممكنة فمخالف لشرط المقول على الكل المستعمل في هاتين المادتين. وهذا هو الذي هو ظاهر كلام أرسطو، وهو الحق في نفسه على ما سيبين بعد. وكذلك جهة البيان فيما يأتلف من المنتج في الشكل الثاني والثالث من المقدمات الاضطرارية هي بعينها جهة البيان فيما يأتلف من ذلك في الشكل الثاني والثالث من المقدمات المطلقة، وذلك فيما كان منها يتبين برجوعه الى الشكل الأول بعكس إحدى مقدمتيه. وذلك أن وجود العكس في المقدمات المطلقة والضرورية هو واحد وكذلك ما كان منها يتبين بالفرض.
وأما ما كان منها يبين بالخلف، وهي متى كانت المقدمة الكلية موجبة والجزئية سالبة، فليس الأمر فيه واحدا. وذلك أن القياس الذي يؤدي إلى الاستحالة يكون مؤلفا من إحدى مقدمتي القياس ومن نقيض النتيجة في الجهة والسلب. فيكون مختلطا من مقدمة ضرورية ومطلقة أو ممكنة. ولم يتبين بعد جهة النتيجة اللازمة عن هذا التأليف. ولكن الذي تبين بالخلف هناك يبين هاهنا بالافتراض بأن نفرض البعض المسلوب عنه شيئا مشارا إليه ويكون المحمول مسلوبا عن جميعه، فيرجع إلى الصنف الذي يكون في ذلك الشكل من كليتين إحداهما موجبة والثانية سالبة.
القول في المقاييس المختلطة من الضرورية والوجودية
1 / 17
والمقاييس المنتجة في هذه المختلطة هي بعينها المقاييس المنتجة في غير المختلطة إلا أنها ضعفها، وذلك أن الصنف الواحد بعينه يكون صنفين. مثال ذلك أن الذي من كليتين مثلا في الشكل الأول يكون صنفين. أحدهما أن تكون الكبرى هي الضرورية والصغرى الوجودية. والصنف الثاني عكس هذا. فتكون المقاييس المنتجة في كل شكل هاهنا ضعف المنتجة في كل شكل من الضرورية. والشيء الذي به يتبين المنتج من غير المنتج هناك هو الذي به يتبين هاهنا- أعني في المختلطة. وإنما الذي بقى أن ننظر فيه هاهنا من أمر هذه المختلطة هو جهة نتائجها- أعني لأي جهة تكون تابعة من جهتي المقدمتين. وأرسطو يقول إنه إذا كانت المقدمة الكبرى في الشكل الأول ضرورية فإن النتيجة تكون ضرورية، وإن لم تكن ضرورية لم تكن النتيجة ضرورية. فليكن كل ما هو جَ فهو بَ بالفعل وكل ما هو بَ فهو اَ بالضرورة أو ليس اَ بالضرورة. فأقول إن هذين الصنفين من الشكل الأول ينتج أحدهما أن اَ بالضرورة في كل جَ والآخر ولا شيء من جَ بالضرورة هو اَ. برهان ذلك أن جَ هي جزء من بَ إذ كان من شرط الشكل الأول أن تكون الصغرى فيه موجبة ومن شرط هذا الاختلاط أن تكون جَ جزءا من بَ بالفعل وبَ كلا لجَ بالفعل لا بالإمكان كالحال في المقاييس الممكنة. وإذا حمل شيء على الكل فهو يحمل على الجزء ضرورة بالجهة التي بها حمل على الكل. وذلك بين بنفسه، فإن الجزء منطو في الكل وداخل تحته. وأما إن كانت الكبرى ليست الضرورية لكن كانت الضرورية الصغرى فإنه ليس تكون النتيجة ضرورية. مثال ذلك قولنا كل جَ فهو بَ باضطرار وكل بَ فهو اَ بالفعل أولا شيء من بَ اَ بالفعل. فأقول إنه ليس ينتج في هذا التأليف أن كل جَ فهو اَ باضطرار أو ليس اَ باضطرار. برهان ذلك أنه إن كان ذلك ممكنا فلنضع أن كل جَ هو اَ باضطرار، وقد فرضنا أن كل جَ هو بَ باضطرار، فينتج لنا في الشكل الأول والثالث أن بعض بَ هو اَ باضطرار. وقد وضعنا أن كل بَ هو اَ باضطرار، هذا خلف لا يمكن. وبمثل هذا تبين إذا وضعنا المقدمة الكبرى سالبة ليست بضرورية. وقد يبين أيضا ذلك من أن جَ هي جزء من بَ. فإذا كانت اَ محمولة على كل ما هو جزء لبَ- التي هي الكل. بغير ضرورة- فهي محمولة على جَ بغير ضرورة، إذ كانت جزءا من بَ وهو أيضا بين من الحدود أن النتيجة ليست ضرورية. مثال ذلك أن نضع عوض اَ متحركا وعوض بَ حيا وعوض جَ إنسانا، فنقول كل إنسان حي باضطرار وكل حي متحرك لا بالضرورة فتكون النتيجة كل إنسان متحرك لا بالضرورة، إلا أن الحدود إنما تعطى أنها ليست تنتج ضرورية دائما لا أنها ليست تنتج ضرورية أصلا كما يعطى ذلك قياس الخلف ومعنى المقول على الكل.
وأما المقاييس الجزئية في هذا الشكل- أعني التي تنتج نتائج جزئية- فإنه إذا كانت المقدمة الكلية اضطرارية وهي الكبرى فالنتيجة اضطرارية. وإن كانت الجزئية وهي الصغرى اضطرارية والكبرى ليست باضطرارية، فليست النتيجة اضطرارية موجبة كانت الكبرى أو سالبة، والبرهان على ذلك هو البرهان على المقاييس الكلية- أعني من جهة المقول على الكل، ومن جهة الخلف، ومن جهة المواد- وذلك إذا وضعنا بدل اَ متحركا وبدل بَ حيا وبدل جَ أبيض، فيأتلف القياس هكذا: بعض الأبيض حي بالضرورة وكل حي متحرك لا بالضرورة فينتج بعض الأبيض متحرك لا بالضرورة.
1 / 18
فأرسطو بين من أمره أنه لا يرى في هذا الصنف أن جهة النتيجة تابعة لجهة المقدمة الكبرى. إن كانت المقدمة الكبرى مطلقة فالنتيجة مطلقة، وإن كانت ضرورية فالنتيجة ضرورية. وثاوفرسطس وأوديموس من قدماء المشائين وثامسطيوس من متأخريهم ومن تبعهم يرون أن جهة النتيجة تابعة لأخس الجهتين- أعني أنها توجد أبدا في مثال هذا التأليف تابعة للمقدمة المطلقة، فإن الوجود المطلق أخس من الوجود الضروري. ومن أقوى ما يتمسكون به في ذلك أنهم يرون أن كل شيء كان فيه شيء يجري مجرى الجزء والكل فإنه متى حمل شيء حملا ما على الكل فيجب أن يحمل على الجزء بتلك الجهة بعينها، ومتى حمل أيضا الجزء على شيء ما حملا بجهة ما فيجب أن يحمل الكل على ذلك الشيء بتلك الجهة بعينها. ولما كان كل قياس فيه شيء يجري مجرى الكل ومجرى الجزء فمتى كانت إحدى المقدمتين مطلقة والأخرى ضرورية، فلا يخلو ذلك من أن تكون الضرورية هي الصغرى والمطلقة هي الكبرى أو الضرورية هي الكبرى والمطلقة هي الصغرى. قالوا: فإن كانت الضرورية هي الصغرى، ففيها شيء يجري مجرى الكل وفيها شيء يجري مجرى الجزء. أما الذي يجري مجرى الكل فالحد الأوسط، وأما الذي يجري مجرى الجزء فالحد الأصغر. فيجب متى حمل شيء بجهة ما على الكل الذي هو الحد الأوسط أن تكون بتلك الجهة بعينها تحمل على الجزء الذي هو الطرف الأصغر. ومتى كانت الضرورية هي المقدمة الكبرى كان الكل والجزء موجودا فيها أيضا. أما الذي يجري مجرى الكل فالطرف الأكبر، وأما الذي يجري مجرى الجزء فالحد الأوسط. فيجب متى حمل الجزء الذي هو الحد الأوسط على الطرف الأصغرى بجهة ما أن تكون تلك الجهة بعينها هي جهة حمل الكل الذي هو الطرف الأكبر عليه. قالوا: فكيف ما كان يجب أن تكون جهة الحمل في النتيجة تابعة لجهة المقدمة المطلقة.
وهذا القول الاختلال فيه بين. وذلك أن اعتبار الكل والجزء في القياس من جهة ما هو قياس منتج في الشكل الأول بحسب المقول على الكل إنما هو في المقدمة الصغرى. ولذلك اشترط فيها أن تكون موجبة، واشترط في الكبرى أن تكون كلية ولم يشترط فيها أن تكون موجبة. وإذا كان ذلك كذلك فلا اعتبار بالكل والجزء الموجود في المقدمة الكبرى إن وجد، سواء كان ضروريا أو لم يكن، بل الواجب اعتبار الكل والجزء في الموضع الذي هو شرط في وجود القياس، وهو الكل والجزء الموجود في المقدمة الصغرى. وإذا كان ذلك كذلك فتكون جهة النتيجة تابعة لجهة المقدمة الكبرى على ما يراه أرسطو. ولو سلمنا لهم أن الجزء والكل يعتبر في كل واحدة من المقدمتين، لم يكن لنا أن نجعل في موضع الاعتبار بالجزء والكل الذي يكون في المقدمة الصغرى وفي موضع الاعتبار بالجزء والكل الموجود في الكبرى حتى يتحكم على القياس هذا التحكم. وأيضا فمتى اعتبرنا الجزء والكل في المقدمة الكبرى ولم نعتبره في الصغرى، لم يكن قياس إلا بالعرض لأنه ليس يجب أن يكون الطرف الأصغر منطويا في الحمل تحت المقدمة الكبرى، وذلك بين بنفسه.
وأما ما يحتجون به من أنه يجب أن تكون جهة النتيجة تابعة لأخس جهتي المقدمتين كالحال في الإيجاب والسلب- أعني أنه متى كانت إحدى المقدمتين موجة والأخرى سالبة أن النتيجة تتبع السالبة التي هي أخس- فإن هذا قياس شبهي. وذلك أن النتيجة ليس تتبع المقدمة السالبة دون الموجبة من جهة أن السالبة أخس من الموجبة، بل من جهة ما هي سالبة. والمطلقة وإن كانت أخس فهي موجبة لا سالبة. واختلال هذا القول ظاهر بنفسه.
1 / 19
وأما ما يحتجون به أيضا من أنه قد يوجد في بعض المواد ما ينتج المطلق، وهو مؤلف من مطلقة صغرى وضرورية كبرى- مثال ذلك قولنا كل إنسان يمشي أي بالفعل وكل ماش متحرك باضطرار فكل إنسان متحرك لا باضطرار- فإن وجه التغليظ في ذلك أن الماشي ليس هو متحرك باضطرار من جهة ما هو إنسان، وإنما هو متحرك من جهة ما هو ماش فإذا اشترط هذا الشرط المأخوذ في المقدمة الكبرى في النتيجة كانت ضرورية- وهو أن كل إنسان متحرك باضطرار من جهة ما هو ماش. وليس ينبغي أن يجاب في هذا بأن يقال إنما عرض في هذا التأليف أن تكون النتيجة مطلقة والكبرى ضرورية من أجل أن هذه المقدمة الضرورية ليس يوجد فيها شرط المقول على الكل الذي استعمله أرسطو على العموم في هذا الكتاب- وهو أن تكون اَ محمولة بالضرورة على كل ما يوصف ببَ بإيجاب، كان موصوفا ببَ بالفعل أو بالضرورة أو بإمكان- فإنه لا فائدة في هذا الاشتراط إذا لم يكن صادقا في جميع المواد، وإنما ينبغي أن يشترط الشيء الصادق في جميع المواد. ونحن إذا استقرينا المواد ظهر لنا أن قولنا كل ما هو بَ هو اَ بالضرورة أو هو اَ بإطلاق أن في بعض المواد معناه كل ما هو بَ بالفعل فهو اَ باضطرار- مثل قولنا كل ماش متحرك باضطرار- وفي بعض المواد معناه كل ما هو بَ بالقوة أو بالفعل فهو اَ باضطرار- مثل قولنا كل متحرك هو جسم. وكذلك الأمر في القضية المطلقة. وإذا كان الأمر هكذا فإذن المقول على الكل الصادق في كل مادة في المقدمة الضرورية والمطلقة هو أن تكون اَ موجودة بالضرورة وبإطلاق على كل ما هو بالفعل بَ إذ كان في بعض المواد يصدق على كل ما هو بالقوة والفعل بَ وفي بعضها على ما هو بالفعل فقط، لأن اَ إذا صدقت على كل ما هو بالقوة بَ فهي تصدق على ما هو بالفعل، وليس ينعكس هذا- أعني أنه ليس إذا صدقت على كل ما بالفعل بَ فهي تصدق على كل ما هو بالقوة بَ. ولهذا ما يجب أن يكون شرط المقول على الكل في الضرورية والمطلقة أن يكون الطرف الأكبر محمولا على كل ما هو الحد الأوسط بالفعل- أعني على ما يحمل عليه الحد الأوسط بالفعل لا بالإمكان. ولذلك متى كانت المقدمة الصغرى ممكنة والكبرى ضرورية أو مطلقة، لم يكن القياس منتجا بحسب المقول على الكل في كل مادة على ما صرح به أرسطو بعد لأنه إنما يكون منتجا بحسب المقول على الكل في بعض المواد- وهي التي يصدق فيها أن اَ بإطلاق أو بالضرورة على كل ما هو بَ بالفعل أو بالقوة. وما يكون من قبل المواد فغير معتبر هاهنا. فتأمل هذا، فإن أبا نصر قد وهم على أرسطو فيه. وأما المقدمة الممكنة الكبرى فإنه يوجد فيها في جميع المواد الشرط الذي ظن به أبو نصر أنه شرط أرسطو في المقول على الكل في جميع أصناف المقدمات. وذلك أن قولنا كل ما هو بَ فهو اَ بإمكان يصدق على ما كان بالقوة أو بالفعل بَ. ولذلك متى كانت الكبرى ممكنة، كانت النتيجة ممكنة في أي ضرب كان من الاختلاط على ما سيبين بعد. فليس إذن شرط المقول على الكل في جميع المقدمات الثلاث- أعني المطلقة والضرورية والممكنة- هو واحد على ما ظنه أبو نصر من أن يكون المحمول بإطلاق أو بالضرورة أو بإمكان على كل ما هو بَ بأي واحد كان من هذه الأصناف الثلاثة- أعني بإمكان أو باضطرار أو بالفعل. ولا هو أيضا ما ذكره عن الإسكندر من أن شرط المقول على الكل المستعمل في هذا الكتاب هو أن تكون اَ محمولة باضطرار أو بإمكان أو بالفعل على كل ما هو بالفعل بَ فقط. فإنه لو كان الأمر هكذا لم تنتج التي من ممكنتين بحسب المقول على الكل. وهذا واضح فتدبره.
والاستقراء شاهد لمذهب أرسطو، فإنه لا فائدة في شرط لا يطابق المواد- على ما ذهب إليه أبو نصر- ولا في شرط لا يعم جميع أصناف المقدمات- على ما ذهب إليه الإسكندر. وبهذا تنحل الحيرة التي عرضت للناس في مذهب أرسطو في اختلاط الممكن مع الوجودي والضروري على ما سيبين من قولنا إذا وصلنا إلى ذلك الموضع أن شاء الله. فقد تبين أن الحكم في اختلاف الضرورية مع المطلقة للمقدمة الكبرى في الشكل الأول.
القول في اختلاط المطلقة والضرورية في الشكل الثاني
1 / 20