وقال محمد بن رجاء البصري: قلت لأبي داود: "لم أرك حدثت عن الرمادي١؟ قال: رأيته يصحب الواقفة٢ فلم أحدث عنه"٣.
لقد كان الحق يجري على لسانه ﵀ في كل أمر يهم أمور المسلمين.
٥- موقف أبي داود من أهل الإبتداع:
اختلف المحدثون في قبول الرواية عن أهل الإبتداع كالخوارج والرافضة والقدرية، فمنعته طائفة منهم مالك وابن عيينة وعلي بن حرب وغيرهم، ورخصت فيه طائفة إذا لم يتهموا بالكذب، وقال به ابن المديني وابن سعيد القطان. قال ابن المديني ﵀: "لو تركت أهل البصرة للقدر وأهل الكوفة للتشيع لخربت الكتب"٤، وذهب آخرون إلى منع الرواية عمن يدعو إلى بدعته دون غيره، ومن هؤلاء أحمد بن حنبل وابن معين.
والمانعون للرواية مطلقًا ذهبوا إلى أن المبتدعة كفار على رأي من ذهب إلى تكفير المتأولين، أو فساق على رأي من لم يحكم بكفرهم، على أن بعضهم إنما عمد إلى ترك الرواية عنهم من باب العقوبة والإهانة، أو لأنه لا يؤمن جانب هؤلاء من الكذب. وعلى الرأي الأخير يستثنى من هؤلاء ما قاله أبو داود ﵀: "لَيْسَ فِي أَهْلِ الأَهْوَاءِ أَصَحُّ حَدِيثًا مِنَ الْخَوَارِجِ"ثُمَّ ذَكَرَ عِمْرَانَ بْنَ حِطَّانَ وَأَبَا حَسَّانٍ الأعرج٥.
قلت: وعمران بن حطان، وأبو حسان الأعرج أخرج لهما أبو داود في سننه، والمتتبع لمن أخرج لهم أبو داود ﵀ في سننه يرى أنه يروي
_________
١ هو أبو بكر أحمد بن منصور الرمادي المتوفى سنة ٢٦٥هـ.
٢ هم الذين توقفوا عن القول بخلق القرآن أو عدمه.
٣ تهذيب سنن أبي داود ٨/ ١٥٦.
٤ الكفاية ١٢٩.
٥ انظر: الكفاية ١٣٠.
1 / 35