حكمًا إلا بما يعلم، وإذا لم يجد من علمه ما يمكنه أن يُصدر حكمه أحال على غيره من شيوخه، وكم من مسألة سئل فيها فقال: "لا أدري". سأله الآجري عن عرفجة العمي١ فقال: "لا أعرفه". وعن سالم المرادي٢ فَقَالَ: "لَيْسَ لي بِهِ علم". وعن العلاء بْن خَالِد فَقَالَ: "مَا عندي من علمه شيء"٣. وسئل: هل سمع عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي ليلى من عمر ﵁ فقال: "قَدْ رَوَى ولا أدري يصح أم لا، وقد رأيت من يدفعه"٤. وقال في أبي إسرائيل الملائي وهو رافضي: "لم يكذب وليس في حديثه نكارة، حدّث عنه الثوري".
إنها الأمانة العلمية التي حملته على قول الحق بكل صدق وإخلاص.
٤- الجرأة في قول الحق:
لم يقدم النقاد على نقد الرجال إلا بدافع ديني يدعوهم إلى تنزيل كل راوٍ منزلته التي تليق به إقرارًا للحق، وتلبية لنداء الفطرة، وفي هذا نصح للأمة، فأظهروا من هم أهلًا للرواية ممن ليسوا بأهل لها، ولم يخشوا في قول الحق أحدًا.
ذكر ابن مبارك رجلًا فقال: "يكذب"، فقيل: يا أبا عبد الرحمن تغتاب؟ قال: "اسكت، إذا لم نبين كيف يعرف الحق من الباطل٥؟ " وقال ابن عُلَّية في الجرح: "هذا أمانة ليس بغيبة"٦. وهذا أبو داود يقضي بأن ابن معين أعلم في الرجال من ابن المديني قائلًا: "يحيى أعلم بالرجال وليس عند علي من علم أهل الشام شيء". وقال في عليّ بن الجعد الجوهري: "رجل سوء لأنه كان من غلاة الشيعة" ومثله ما قاله في رياح بن عمرو القيسي ونسبه إلى الزندقة، وسأله الآجري عن الحسن بن ذكوان قائلًا: "زعم قومُ أَنَّهُ كَانَ فاضلًا"، فقال: "ما بلغني عنه فضل".
_________
١ انظر: نص رقم ٤٨٤.
٢ انظر: نص رقم ٢٣.
٣ انظر: نص رقم ١٤٣.
٤ انظر: نص رقم ٢٠٧.
٥ انظر: شرح علل الترمذي ص٧٧.
٦ المصدر السابق.
1 / 34