الحديث عمن رمي ببدعة إذا كان أهلًا لأن يؤخذ عنه، فها هو يروي عن إسماعيل بن بشير بن منصور، ونعمان بن المنذر الغساني، وهما متهمان بالقدر، وعن حصين بن نمير الواسطي، ونعيم بن أبي هند، وهما ناصبيان، وعن خلاد بن يحيى السلمي، وعبد الحميد بن يحيى الحماني وهما من المرجئة، وعن الفضل بن دلهم١ وهو معتزلي، وعن إسماعيل بن موسى الفزاري، ويونس بن خباب، وجابر بن يزيد الجعفي وهم من الروافض. بل وقد ينفرد بالرواية عن أناس ممن تكلم فيهم ببدعة فيخرج لهم في سننه دون غيره، كروايته عن إسحاق بن محمد بن عبد الرحمن، ويونس بن راشد الحراني، فالأول قدري، والثاني مرجئ. ومثل هذا كثير، ولم ينفرد أبو داود ﵀ بهذا بل إن في البخاري ومسلم أعدادًا ممن رمي ببدعة، فإذا كان المبتدع ثبت الأخذ والأداء، وغير داعية لبدعته، وليس في حديثه ما يعضد بدعته روى حديثه، وهذا ما جرى عليه أكثر الأئمة رضوان الله عليهم، وقد يكون في هؤلاء من هو داع لبدعته، لكن الأئمة كأبي داود وغيره أعلم بروايات هؤلاء من غيرهم فيروون ما يرون أنه مما يؤخذ به ويتركون ما عداه٢، والله أعلم.
٦- عدم قبول الجرح إلا مفسرًا:
شارك أبو داود ﵀ كثيرًا من النقاد بهذا الرأي، وهذا بالطبع فيمن تعارض فيه الجرح والتعديل.
قال الخطيب: "وهو مذهب حفاظ الحديث ونقاده مثل محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم، فالبخاري احتج بجماعة سبق من غيره الطعن فيهم، وهكذا فعل مسلم بن الحجاج، وسلك أبو داود هذه الطريق وغير واحد من بعده فدل ذلك على أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يثبت إلا إذا فسر سببه، وذكر موجبه"٣
_________
١ بكسر الدال المهملة وفتح الهاء، انظر: المغني في ضبط أسماء الرجال ص٣١.
٢ انظر: التفصيل في شرح علل الترمذي ٨٣، مقدمة لسان الميزان ١/٦.
٣ الكفاية ١٠٨.
1 / 36