لأن يؤخذ عنه الحديث الشريف، ولم يكن يقتصر على ذكر جانب السوء في الراوي فحسب أو العكس، بل كان يذكر فيه ما يحمد أو يذم من أجله. سأله الآجري عَن عَمرو بْن ثابت١ فَقَالَ: هو رجل سوء وجعل يذمه، لكنه قال: ليس حديثه يشبه حديث الشيعة، يعني أن أحاديثه مستقيمة. فذمه لأنه كان من غلاة الشيعة، لكنه لم ينكر أن أحاديثه مما يؤخذ بها فوصفها بالاستقامة، ومثله أيضًا ما قاله في يونس بن خباب٢ ووصفه بأنه شتّام للصحابة - رضوان الله عليهم -، لكنه أردف قائلًا: وليس في حديثه نكارة، وقال في أيوب بن عائذ٣: "ثقة إلا أنه مرجئ"، فالرجل عنده ثقة لكنه لم ينس أن يذكره بما عيب به وهو مخالفته لأهل السنة باتباعه سبيلًا غير سبيلهم. والأمثلة الدالة على نزاهته المتناهية لا عد لها ولا حصر ﵀.
٢- الدقة العلمية:
إن المتتبع لما قاله أبو داود في الرجال ليجد أنه ذو وصف علمي دقيق لحالهم، فنراه يجري المقارنات فيمن هم من مرتبة واحدة كأن يكونوا ثقات أو غير ذلك، مما يفيد ويلزم عند التعارض والترجيح، فينزل كل راوٍ منزلته، ويعطي كل ذي حق حقه. كما ويذكر مواطن الرواة وسني ولادتهم ووفياتهم وعمن رووا سماعًا أو بالإرسال، بل ويحدد وقت لقي بعضهم ببعض، وأيهم المكثر من المقل، ووقت اختلاط بعض من اختلط منهم، ومن روى عنه قبل وبعد الاختلاط، وكم روى بعضهم عن بعض، ومن أثبتهم في راوٍ معين، وعلة تضعيف بعض الروارة، وغير ذلك مما يعجز عن وصفه الكثير من الحذاق في هذا الفن.
٣- الأمانة العلمية:
كان أبو داود ﵀ أمينًا صادقًا في حكمه على الرواة، فلا يُصدر
_________
١ انظر: نص رقم ٢٤٢.
٢ انظر: الجزء الخامس من السؤالات ورقة ٦٧ وجه (أ) .
٣ انظر: نص رقم ١٢٨.
1 / 33