[حاشية: قوله: وكتب إلى محمود بن سبكتكين صاحب غزنة: غزنة مما وراء النهر، وكان محمود هذا سلطانا كبيرا، ملك ماوراء النهر ثم ملك خراسان وبه انقطعت فيه دولة بني سامان في سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، وكان يغزو الهند كل سنة، ثم ملك سجستان سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، وفتح في بلاد الهند بلادا واسعة، وكسر صنمهم المعروف ................. وكانوا يعتقدون فيه أنه يحيي ويميت، ويفعل مايشاء، ويقصدونه من أقاصي البلاد رجالا وركبانا، ولم يبق في بلاد الهند والسند على تباعد أقطارها وتفاوت أديانها ملك ولاسوقه إلا وقد تقرب إلى هذا الصنم بما عز عليه من الأموال والذخائر حتى بلغت أوقافه عشرة آلاف قرية مشهورة، وامتلأت خزائنه من أصناف الأموال، وفي خدمته من البراهمة ألف رجل يخدمونه، وثلاثمائة رجل يحدثوا حجيجه و........ عند الورود عليه، وثلاثمائة رجل وخمسمائة امرأة يغنون ويرقصون عند بابه، وكان بين بلاد المسلمين وبين موضع الصنم مسافة موصوفة بقلة المياه وصعوبة المسالك واستيلاء الرمل على طرقها، فسار إليها محمود في ثلاثين ألف فارس جريدة مختارة من عدد كثير، وأنفق عليه من الأموال مالايحصى، ولما وصلوا قلعته وجدوها حصينة منيعة ففتحوها في ثلاثة أيام، ودخلوا بيت الصنم وحوله من أصنام الذهب المرصع بأنواع الجواهر عدد كثير محيطة بعرشه يزعمون أنها الملائكة، فأحرق المسلمون الصنم المذكور ووجدوا في أذنه نيفا وثلاثين حلقة ذهب، فسألهم محمود عن معنى ذلك، فقالوا: كل حلقه عبادة ألف سنة ، وكانوا يقولون: يقدم العالم، ويزعمون أن هذا الصنم يعبد منذ أكثر من ثلاثين ألف سنة، وكلما عبدوه ألف سنة علقوا في أذنه حلقة، وشرح ذلك يطول. وملك محمود بن سبكتكين هذا مالم يملكه غيره من الملوك، وهو الذي جمع فقهاء الحنفية والشافعية، وكان على مذهب أبي حنيفة وطلب منهم يرجحوا له أحد المذهبين، فاتفقوا على أن تصلى بين يديه ركعتين على مذهب كل واحد، ويتفكر هو ويختار، فصلى القفال المروزي بطهارة مصبغة وشرائط معتبرة في الطهارة والتستر والاستقبال والأركان على وجه لايجوز عند الشافعي بغيره، ثم صلى ركعتين تجوزان عند أبي حنيفة فلبس جلد كلب مدبوغا، ولطخ ربعه بالنجاسة وتوضأ من غير نية بنبيذ التمر وكان في صميم الصيف في مفازة فاجتمع عليه الذباب والبعوض وكان وضوءه منكسا معكسا، ثم استقبل وأحرم بالفارسية .............. ثم نقر نقرتين كنقرات الديك من غير فصل ومن غير ركوع، وتشهد وضرط في آخره من غير نية السلام، وقال: هذه صلاة يجوزها أبو حنيفة، فقال السلطان: لو لم يجوزها لقتلتك لأن مثل هذه الصلاة لايجوزها ذو دين، فأنكرت الحنفية، فأمر القفال بإحضار كتب أبي حنيفة فوجد كما حكاه القفال، فانتقل محمود إلى مذهب الشافعي، وتوفي محمود سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، ومولده في المحرم سنة إحدى وستين وثلاثمائة والله أعلم. انتهى.
Page 9