جهة المرأى والمنظر ، ألا ترى أن أحدنا لو مشى مشية عرجاء في انقاذ محبوس فإن تلك المشية حسنة من جهة الجملة ، قبيحة من جهة الصورة. وبالعكس من هذا لو مشى مشية حسنة في سعاية بمسلم إلى السلطان الجائر ، فإنها قبيحة من جهة الحكمة ، حسنة من جهة المرأى والمنظر.
هذا هو الكلام في حقيقة العدل.
** علوم العدل :
وأما علوم العدل ، فهو أن يعلم أن أفعال الله تعالى كلها حسنة ، وأنه لا يفعل القبيح ، ولا يخل بما هو واجب عليه ، وأنه لا يكذب في خبره ، ولا يجور في حكمه ، ولا يعذب أطفال المشركين بذنوب آبائهم ، ولا يظهر المعجزة على الكذابين ، ولا يكلف العباد ما لا يطيقون ولا يعلمون ، بل يقدرهم على ما كلفهم ، ويعلمهم صفة ما كلفهم ، ويدلهم على ذلك ، ويبين لهم ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيى من حي عن بينة ، وأنه إذا كلف المكلف وأتى بما كلف على الوجه الذي كلف فإنه يثيبه لا محالة ، وأنه سبحانه إذا آلم وأسقم فإنما فعله لصلاحه ومنافعه ، وإلا كان مخلا بواجب ، وأن يعلم أنه تعالى أحسن نظرا بعباده منهم لأنفسهم ، وفيما يتعلق بالدين والتكليف ، ولا بد من هذا التقييد ، لأنه تعالى يعاقب العصاة ولو خيروا في ذلك لما اختاروا لأنفسهم العقوبة ، فلا يكون الله تعالى والحال هذه أحسن نظرا منهم لأنفسهم وكذلك فإنه ربما يبقى المرء وإن علم من حاله أنه لو اخترمه لاستحق بما سبق منه الثواب وكان من أهل الجنة ، ولو أبقاه لارتد وكفر وأبطل جميع ما اكتسبه من الآخر ، ومعلوم أنه لو يخير بين التبقية والاخترام لاختار الاخترام دون التبقية ، فكيف يكون الله تعالى أحسن نظرا لعباده منهم لأنفسهم والحال هذه ، فلا بد من التقييد الذي ذكرناه.
** موقف البغداديين من إطلاق القول بأن الله أحسن نظرا للناس من أنفسهم :
فإن قيل : وهل أطلق أحد ذلك؟ قلنا : نعم. البغداديون من أصحابنا لما أوجبوا الأصلح على الله تعالى أطلقوا ، وقالوا : إنه تعالى أحسن نظرا لعباده منهم لأنفسهم ، وذلك عندنا باطل بما ذكرناه.
ومن علوم العدل أن نعلم أن جميع ما بنا من النعم فمن الله تعالى ، سواء كان من جهة الله تعالى أو جهة غيره ، ودخوله في العدل أنه تعالى كلفنا الشكر على جميع
Page 83