المدرك ، وكذلك الواحد منا ، وكذلك فهو مريد وكاره بالإرادة والكراهية ، وكذلك الواحد منا. إلا أن الفرق بينهما هو أن القديم تعالى حي لذاته فلا يحتاج إلى حاسة ، ومريد وكاره بإرادة وكراهة موجودتين لا في محل ، والواحد منا مريد وكاره لمعنيين محدثين في قلبه. فعلى هذا يجري الكلام في هذا الفصل.
** فصل والغرض به الكلام في العدل
اعلم أن العدل ، مصدر عدل يعدل عدلا ، كما أن الضرب ، مصدر ضرب يضرب ضربا ، والشتم ، مصدر شتم يشتم شتما.
وقد يذكر ويراد به الفعل ، ويذكر ويراد به الفاعل.
فإذا أريد به الفاعل فذلك على طريق المبالغة لأنه معدول به عما يجري على الفاعلين ، وهو كقولهم للضارب ضرب ، وللصائم صوم ، وللراضي رضى ، وللمفطر فطر ، إلى غير ذلك. وله حد إذا استعمل في الفعل ، وحد إذا استعمل في الفاعل ، أما حقيقته إذا استعمل في الفعل على ما قيل ، توفير حق الغير واستيفاء الحق منه. وقد قيل في حده ، كل فعل حسن يفعله الفاعل لينفع به الغير أو ليضره. إلا أن هذا يوجب أن يكون خلق العالم عدلا من الله تعالى ليتضمن هذا المعنى ، وليس كذلك ، بل خلق العالم من الله تعالى تفضل. فالصحيح ، الحد الأول ، لأن هذه اللفظة لا تكاد تدخل إلا فيما يتعلق بالحقوق ، وقولنا ليضره احتراز عن العقاب ، لأن ذلك من الله تعالى عدل وإن كان إضرارا بالغير.
وأما إذا استعمل في الفاعل ، فهو فاعل هذه الأمور. هذا في أصل اللغة.
** العدل في اصطلاح المتكلمين :
وأما في الاصطلاح ، فإذا قيل : إنه تعالى عدل ، فالمراد به أن أفعاله كلها حسنة ، وأنه لا يفعل القبيح ولا يخل بما هو واجب عليه.
فإن قيل : كيف يصح قولكم إن أفعاله كلها حسنة مع أنه هو الفاعل لهذه الصور القبيحة المنكرة؟ والأصل في الجواب عنه ، أنا لا نعني أنه يحسن من جهة المرأى والمنظر حتى يستحيله كل واحد ، وإنما نريد أنه يحسن من جهة الحكمة ، وهذه الصور كلها حسنة من جهة الحكمة ، ولا يمتنع أن يكون الفعل حسنا من جهة المرأى والمنظر ، قبيحا من جهة الحكمة ، كما أنه يكون حسنا من جهة الحكمة ، قبيحا من
Page 82