ما بنا من النعم ، فلو لا أنها من فعله وإلا كان لا يكلفنا أن نشكره عليها أجمع ، لأن لك يكون قبيحا.
** فصل والغرض به الكلام في الوعد والوعيد
وجملة ما يجب بيانه في هذا الفصل حقيقة الوعد والوعيد ، والخلف والكذب ، وما يتصل بذلك من علوم هذا الباب.
أما الوعد ، فهو كل خبر يتضمن إيصال نفع إلى الغير أو دفع ضرر عنه في المستقبل. ولا فرق بين أن يكون حسنا مستحقا ، وبين أن لا يكون كذلك. ألا ترى أنه كما يقال إنه تعالى وعد المطيعين بالثواب ، فقد يقال وعدهم بالتفضيل مع أنه غير مستحق.
وكذلك يقال : فلان وعد فلانا بضيافة في وقت يتضيق عليه الصلاة مع أنه يكون قبيحا ، وهكذا يقال إن أحدنا وعد غيره بتمليكه جميع ما يملكه حتى إنه يفقر نفسه مع أنه يكون قبيحا ، لقوله تعالى : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ) [الإسراء : 29].
وأما الوعيد ، فهو كل خبر يتضمن إيصال ضرر إلى الغير أو تفويت نفع عنه في المستقبل ، ولا فرق بين أن يكون حسنا مستحقا ، وبين أن لا يكون كذلك ، ألا ترى أنه كما يقال : إن الله تعالى توعد العصاة بالعقاب ، قد يقال توعد السلطان الغير بإتلاف نفسه وهتك حرمه ونهب أمواله ، مع أنه لا يستحق ولا يحسن.
ولا بد من اعتبار الاستقبال في الحدين جميعا ، لأنه إن نفعه في الحال أو ضره مع القول ، لم يكن واعدا ولا متوعدا.
وأما الكذب ، فهو كل خبر لو كان له مخبر لكان مخبره لا على ما هو به. وقولنا لو كان له مخبر ، هو أن في الأخبار ما لا مخبر له أصلا ، كالخبر بأن لا ثاني مع الله تعالى ولا بقاء ، وغير ذلك.
وأما الحلف فهو أن يخبر أنه يفعل فعلا في المستقبل ثم لا يفعله ، ثم إن الحلف ربما يكون كذبا بأن يخبر عن نفس الفعل ثم لا يفعله ، وربما لا يكون كذبا بأن يخبر عن عزمه على الفعل ثم لا يفعله. ولهذا فإنه لما استحال العزم على الله تعالى ، لم يكن الخلف في حقه إلا كذبا تعالى الله عنه علوا كبيرا.
Page 84