يقال: دنس دنسًا، وتدنس تدنسًا، إذا تكلفه. فيقول: إذا لم يتدنس الرجل باكتساب اللؤم واعتياده فأي ملبس لبسه بعد ذلك كان حسنًا جميلًا. وذكر الرداء ها هنا مستعار، وقد قيل: ردَّاه الله رداء عمله، فجعل كنايةً عن مكافأة العبد بما يعمله، أو تشهيره به، كما جعله هذا الشاعر كنايةً عن الفعل نفسه. وتحقيقه: فأي عملٍ عمله بعد تجنب اللؤم كان حسنًا. واللؤم: اسمٌ لخصالٍ تجتمع، وهي البخل واختيار ما تتقيه المروءة، والصبر على الدنية، ودناءة النفس والآباء. وإذا يتضمن معنى الجزاء، والفاء مع ما بعده جوابه. وليس هنا من قول عمرو بن معد يكرب:
ليس الجمال بمئزرٍ ... فاعلم وإن رديت بردا
فيعتقد أنه يريد بالرداء الثياب بسبيلٍ، فاعلمه.
إذا المرء لم يحمل على النفس ضيمها ... فليس إلى حسن الثناء سبيل
يقول: إذا المرء لم يحمل ظلم نفسه عليها، ولم يصبرها على مكارهها، فليس له طريقٌ إلى الثناء الحسن. وهذا يشير إلى كظم الغيظ، واستعمال الحلم، وترك الظلم والبغي مع ذويه، والصبر على المشاق، وإهانة النفس في طلب الحقوق؛ لأن من تعود هذه الأشياء علا ذكره، وحسن ثناؤه. ويقال: ضامه ضيمًا، وهو مضيمٌ، إذا عدل به عن طريق النصفة واهتضمه. ومنه قيل: قعد في ضيم الجبل، أي في ناحيةٍ تنعدل إليه. وكما استعمل الضيم من ضام، كذلك استعمل الهضم واحد أهضام الوادي من هضم. ويبعد من طريق المعنى أن يريد بقوله ضيمها ضيم الغير لها فأضاف المصجر إلى المفعول، لأن احتمال ضيم الغير لهم يأنفون منه، ويعدونه تذللًا.
تعيرنا إنا قليل عديدنا ... فقلت لها إن الكرام قليل
يقال عيرته كذا، وهو المختار الحسن، وقد جاء عيرته بكذا. قال عديٌ:
أيها الشامت المعير بالده ... ر أأنت المبرأ الموفور
والمعنى أنكرت منا قلة عددنا فعدته عارًا، فأجبتها وقلت إن الكرام يقلون. والكرم: اسمٌ لخصالٍ تضاد خصال اللؤم، وقد ذكرناها. وهذا الاعتراف الذي حصل
1 / 83