وقوله تنحوا أن ينالهم أي تنحوا أن ينالهم، ومخافة أن ينالهم؛ فلما حذف من وصل الفعل فعمل. وعلى هذا قولهم: تحصن فلانٌ أن يطلب، وقول الله تعالى: " يبين الله لكم أن تضلوا ". وقوله: وصلناها بأيدينا أي إذا عجزت جعلنا وصلها أيدينا. وهذه الأبيات إذا تؤملت فكلٌ منها غاية يدعو إلى نفسه لفظًا ومعنىً.
ولا تراهم وإن جلت مصيبتهم ... مع البكاة على من مات يبكونا
يصف تعودهم للثكل، وإلفهم للمصائب والقتل، وأن قلوبهم قد مرتت عليها حتى قست، فلا يبكون مع البكاة على من قتل منهم. ومثله قول عمرو بن كلثوم:
معاذ الإله أن تنوح نساؤنا ... على هالكٍ أو أن نصيح من القتل
ونركب الكره أحيانًا فيفرجه ... عنا الحفاظ وأسيافٌ تواتينا
يجوز أن يكون هذا كما قال الآخر:
فحالفنا السيوف على الدهر
ويجوز أن يكون أراد بالسيوف كأنهم السيوف مضاءً ونفاذًا. والأول أولى. وإنما يصف خطارهم بمهجهم، وركوبهم المهالك، ورميهم بأنفسهم المرامي المعطبة. فيقول: إذا فعلنا ذلك في الوقت بعد الوقت، وسعت المضايق عنا محافظتنا على الكرم وصبرنا على الشدائد، واستعمالنا سيوفنا المطاوعة لنا. ومعنى يفرجه: يكشفه ويوسعه. ويقال: فرج الله غمّه وفرجه، بالتخفيف والتشديد. ومنه سمي ما بين القوائم: الفروج. وإطلاق لفظ الفرج على العورة يجري مجرى الكنايات. وعلى هذا قيل: رجلٌ فرجةٌ، إذا كان كشافًا لأسراره.
عبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي، ويقال إنه للسموءل ابن عاديا اليهودي:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداءٍ يرتديه جميل
1 / 82