شهادته، إذا كتمها؛ لأن الشجاع يستغني بالفعال، عن الدعوى والمقال، فكأنه يستر أمره وشأنه لوقت الحاجة، ولأنه إذا سكت دل على صفاته بلاؤه.
لو كان في الألف منا واحدٌ فدعوا ... من فارسٌ خالهم إياه يعنونا
يعني بقوله فدعوا أعلنوا الاستغاثة بيال فلانٍ، ومن فتىً، وما أشبهه. ويقال خلته أخاله خيلًا ومخيلةً وخيلانًا. وهذا مثل قول طرفة:
إذا القوم قالوا من فتىً خلت أنني ... عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
وقد زاد هذا عليه بقوله لو كان فى الألف منًا واحدٌ ". لأن ذلك قال:
إذا القوم قالوا من فتىً، فنصب نفسه مع قومه؛ وهذا جعله منضمًا مع الكثرة إلى الغرباء. وإنما قال: من فارسٌ فنكر، كما قال طرفة: من فتى فنكر. ولم يعرف واحدٌ، منهما، لأن السؤال بالمنكر لشدة إبهامه يكون أشمل لتناوله واحدًا واحدًا لا سيما وليس القصد في الاستفهام إلى معهودٍ معين، ولا إلى الجنس فيقال: من الفتى، ومن الفارس. وفي هذه الطريقة قول الآخر:
إذا القوم قالوا من فتىً لعظيمةٍ ... فما كلهم يدعى ولكنه الفتى
وبيت بشامة أجود الثلاثة. وقد أحسن الفرزدق كل الإحسان لما أشار إلى هذا المعنى فقال:
إذا ما قيل يا لحماة قومٍ ... فنحن بدعوة الداعي عنينا
إذا الكماة تنحوا أن ينالهم ... حد الظبات وصلناها بأيدينا
إنما قال حد الظبات - وظبة: السيف حده - لأنه أراد المضارب بأسرها. وكما صلح أن يقال أصابته ظبة السيف صلح أن يقال حد الظبة. وقيل الظبة: طرف السيف، والشباة حد طرفه. يقول: إذا الأبطال تباعدوا عن المصادمة والمكافحة، مخافة أن ينالهم حد السيوف مددنا أبواعنا إليهم بها أو وصلناها، وفي هذا المعنى قوله:
إذا قصرت أسيافنا كان وصلها ... خطانا إلى أعدائنا للتضارب
1 / 81