وتكون المراجل على هذا كنايةً عن الحروب أيضًا. ويجوز أن يكون المراد: ابيضت مفارقنا من كثرة استعمالنا للطيب، ويكون كقول الآخر:
جلا الأذفر الأحوى من المسك فرقة
ويكون على هذا معنى تغلي مراجلنا أي قدورنا للضيافة، ويجوز أن يريد: مشيبنا مشيب الكرام، لا مشيب اللئام. وأنشد ابن الأعرابي في نوادره:
وشبت مشيب العبد في نقرة القفا ... وشيب كرام الناس فوق المفارق
وعلى هذا يحمل المراجل على أن المراد بها قدور الضيافة. فأما قوله: نأسو بأموالنا آثار أيدينا فإنما يريد ترفعهم عن القود ودفع أطماع الناس عن مقاصتهم، فيداوون جراحاتهم ببذل الأروش والديات. والأسو: مداواة الجرح وإن استعمل في موضع الإصلاح. قال:
والأساة الشفاة للداء ذي الري ... بة والمدركون للأوغام
ويقال للضار النافع: يشج ويأسو. ومنه اشتقاق الإسوة، ويقال الأسوة أيضًا. ويروى أن مصعب بن الزبير لما انهزم الناس عنه يوم مسكن جعل يقاتل ويتمثل:
وإن الأولى بالطف من آل هاشمٍ ... تأسوا فسنوا للكرام التأسيا
وفي البيت مع حسن المعاني التي بينتها توازن في اللفظ مستقيم، وسلامةٌ مما يجلب عليه التهجين.
إني لمن معشرٍ أفنى أوائلهم ... قول الكماة ألا أين المحامونا
يقاربه قول الخنساء:
أقلت مساماة الرجال عديدنا
فيقول مفتخرًا إني لمن قومٍ أهلك أسلافهم قول الأبطال لهم ألا أين الذابون والمحامون؟ فكانوا يتقدمون ويفنون. والكماة: جمع الكمي، وهو من قولهم كمى
1 / 80