فيقول: نبتذل أنفسنا في الحروب ولا نصونها، ولو عرض علينا إذالتها في غيرها لامتنعنا. وهذا لحرصهم على تخليد الذكر الجميل، والأبانة عن محل النفس في الشجاعة. والرخص في السعر: سهولته ولينه، وهو من قولهم فيما أظن امراةٌ رخصةً، إذا كانت ناعمةً. وقوله: ولو نسام بها أي نحمل على أن نسوم بها. ويقال سام بسلعته كذا وكذا، واستام أيضًا، وأغلى السوم والسيمة. وأسمته أنا، أي حملته على أن سام. ولا يمتنع أن يكون قولهم: سمته خسفًا، أصله من ذاك وإن استعمل في المكروه، ومنه قوله تعالى: " يسومونكم سوء العذاب ". وفي البيت طباقٌ بذكر الإرخاص والإغلاء، والروع والأمن، في موضعين، وهو حسنٌ جيد.
بيضٌ مفارقنا تغلي مراجلنا ... نأسو بأموالنا آثار أيدينا
يروى: بيض معارفنا، وهي الوجوه. والمراد بذلك نقاء العرض وانتفاء الذم والعيب. ويقال: امرأةٌ حسنة المعارف، أي الوجه بما يشتمل عليه. وقيل الأنف وما والاه. وقيل: الحسن في الأنف، والملاحة في الأسنان. وواحد المعارف معرفٌ ومعرفٌ، وكأن الوجه سمي بها لأن معرفة الأجسام وتمييزها تقع بها. والأشهر والأحسن بيضٌ مفارقنا. ويجوز أن يكون أراد ابيضت مفارقنا من كثرة ما نقاسي الشدائد. وهذا كما يقال أمرٌ يشيب الذوائب. وفي القرآن: " يومًا يجعل الولدان شيبا ". وتغلي مراجلنا أي حروبنا، كقول الآخر:
تفور علينا قدرهم فنديمها ... ونفثؤها عنا إذا حميها غلا
ويجوز أن يكون المراد: ابيضت مفارقنا لانحسار الشعر عنها، باعتيادنا لبس المغافر والبيض، وإدماننا إياه، ويكون هذا كما قال:
قد حصت البيضة رأسي فما ... أطعم نومًا غير تهجاع
1 / 79