سواء السبيل. قال الراجز:
إني إذا حار الجبان الهدره ... ركبت من قصد الطريقٍ منجره
وقوله: " وكويته فوق النواظر " يشبهه قول الآخر:
ولو غير أخوالي أرادوا نقيصتي ... جعلت لهم فوق العرانين ميسما
أي كويته من عل فوق ناظره، أي وسمته بسمةٍ من الذل اشتهر بها، ولم يمكنه إخفاؤها. ويقال لمن يتوعد بالإذلال والتشويه: لأسمنك وسمًا لا يفارقك. ولذلك قال جرير:
لما وضعت على الفرزدق مبسمي ... وضغا البعيث جدعت أنف الأخطل
وكما يجعلون هذه السمة في الجبين يجعلونها في الأنف، ولذلك قال الأعشى:
أنف من أنت واسم
وفي القرآن: " سنسمه على الخرطوم ". فإن قيل: لم أتى بقوله من عل، وقد قال فوق النواظر ويعلم منه أنه أعلى؟ قيل: إن التقدير كويته من عل فوق النواظر، أي من أعلاه فوق ناظره، وفيه التقديم والتأخير، ولو سكت على من عل لكان يجوظ أن يكون فوق النواظر ودون النواظر، لكنه بين أن قصده إلى الجبين بميسمه. والمعنى شهرته بإذلالي، ووسمته بكي حيث يظهر للناظرين ولا يخفى. وانتصاب " فوق " يجوز أن يكون على التبدل من الضمير في كويته، لأن " فوق " من الظروف المتمكنة. ويجوز أن تجعله ظرفًا تريد كويته في هذا المكان مما علا منه. وإنما لم يبن من عل لأنه جعله نكرة، كما تقول أتيته قبلًا أي أولا، وأنت لا تقصد إلى أنه مضاف إلى معرفةٍ مخصوصةٍ، فاعلمه. ومنه:
كجلمود صخرٍ حطه السيل من عل
1 / 51