أرجيته عني فأبصر قصده ... وكويته فوق النواظر من عل
ذكر بعض المتأخرين في أرجيته، أن الرواية الصحيحة " أوجيته " وما عداه تصحيف. قال. وهو أفعلته من الوجى، وإنما أوجب ذلك ليكون لفق قوله بزعمه: " وكويته ". والمعنى أذللته ورددته رازحًا كرزوح الفرس الوجى. ثم أنشد قول طرفة مؤنسًا به:
وقومٍ تناهوا عن أذاتي بعدما ... أصاب الوجى منهم مشاش السنابك
قال الشيخ: ولقد قضيت العجب من هذا المستدرك، ومن ضلاله عن طريق الرشاد فيما قصده من المعنى، ورواه في الاستشهاد، وذلك أن شعر طرفة إنما هو:
وما زال شربي الراح حتى أشرني ... صديقي وحتى ساءني بعض ذلك
وحتى يقول الأقربون نصاحةً ... دع الغي واصرم حبله من حبالك
وحتى تناهوا عن أذاني بعد ما ... أصاب الوجى منهم مشاش السنابك
فقوله: " حتى تناهوا " ليس مما فسره واستشهد له بسبيل، إنما يريد طرفة أنه أبعد غايته في الخسارة، وتمادى في تعاطي الصبا والجهالة، فلم يصخ لناصحٍ، ولم يرعو لعاذلٍ، حتى نفضوا أيديهم من إنابته، ويئسوا من قبوله وإعتابه، فألقوا حبله على غاربه: وصاروا من بين ناسبٍ له إلى الشر، ومسيءٍ إليه في القول، وقاذفٍ إياه بالغي، فأفضت بهم الحال إلى أن تناهوا بعد أن بلغ منهم العناء كل مبلغ، وأثر فيهم الإعياء والإخفاء أشد تأثير. ألا ترى أنه جعل الوجى في المشاش من السنابك منهم. فهذا ما عليه في الرواية، والذهاب عن طريقة الشاعر. وبعد فإنه لا يقال أوجيت الدابة عني ويراد الإخفاء، ولم يسمع في التذليل ذكر الحفى والوجى مستعارًا كما سمع الكي والوسم فيه. وبعد الغوص لا يدري على ماذا يهجم بصاحبه. والرواية الصحيحة " أرجأته " و" أرجيته " وهما لغتان، والهمز أفصح. قد قرى: " ترجى من تشاء منهن " و" ترجى ". ويروى: " أوحيته "، ويروى: " أزجيته " والمعاني تتقارب في الكل. يقول: رب خصمٍ هكذا أنا وحيته عن نفسي وصرفته، وقد أبصر رشده، وعرف مقدار نفسه، فعاد إليه بعد أن كان يشتط فيما له، ويتغابى عما عليه. والقصد: ما لا سرف فيه، ولذلك قيل اقتصد في كذا. وطريقٌ قاصدٌ إذا كان على حد الاستواء. ومن كلامهم: ضل عن قصد الطريق، كما قيل: ضل عن
1 / 50