[٧٦ ب ] قال أرسطاطاليس : « وأولى الأشكال بأن يعلم لها الشىء وأحقها هو الشكل الأول . أما أولا فمن قبل أن العلوم التعاليمية إنما تبرهن على مطالبها بهذا الشكل ، بمنزلة علم العدد وعلم الهندسة وعلم المناظر . ويكاد جميع العلوم التى يعلم بها « لم الشىء » أن يكون استعمالها إنما هو هذا الشكل . وأيضا فإن العلم ب « لم الشىء » إنما يكون بالشكل الأول - ومن قبل ذلك صار أول الأشكال وأحقها بالعلم - لأن العلم ب « لم الشىء » هو العلم المحقق . وأيضا فإن الحدود إنما تصيد بهذا الشكل وحده فقط ، من قبل أن الشكل الثانى لا يقاس فيه على الإيجاب ، والحدود تكون على طريق الإيجاب . ولا الشكل الثالث ، من قبل أنه ولو كان يقاس فيه على الإيجاب ، إلا أنه لا يكون فيه قياس على طريق الكلية . والحدود فهى على طريق الكلية ، إذ كان : الحيوان ، وذو الرجلين إنما هما على كل الإنسان ، لا على بعضه . وأيضا فإن هذا الشكل هو غير محتاج إلى الشكلين الآخرين . وإما الشكلان الآخران الأول . فهما بحاجة - فى أن تتعلقا بمقدمات غير ذوات أوساط - إلى الشكل الأول . فبين من ذلك أن الشكل الأول أحق الأشكال فى أن يعلم به الشىء على طريق البرهان . » التفسير لما بين شروط المقدمات البرهانية وأنواعها ، وكذلك شروط المطالب ، وبين أنواع البراهين ، وبالجملة لما تكلم فى مبادئ البراهين وما يعرض لها فى ذاتها ومقايسة بعضها الى بعض - أخذ يتكلم فى شكل البرهان الأخص به ، فاأخبر أنه الشكل الأول ، وبين ذلك واستند عليه بخمس شهادات : ( ١ ) إحداهما : أن أكثر براهين التعاليم إنما تكون بالشكل الأول . وإذا كانت التعاليم هى أحق العلوم بالبرهان ، فالشكل الذى هو فيها أكثر هو أحق الأشكال بالبرهان . هذا هو الذى أراد بقوله : « أما أولا فمن قبل أن العلوم التعاليمية إنما تبرهن على مطالبها بهذا الشكل » . وقوله : وتكاد جميع العلوم التى تستعمل البراهين المطلقة أو براهين الأسباب - وهى العلوم الأحق بالبرهان ، إذ كان هذا النوع من البرهان هو أشرف أنواعه - إنما تستعمل هذا الشكل . وإنما أراد أن يبين بذلك السبب الذى من قبله كانت علوم التعاليم أحق بالبرهان ، أعنى من قبل أن أكثر براهينها هى مطلقة ، أى براهين أسباب ووجود . (٢) ثم ذكر الشهادة الثانية فقال : « وأيضا فإن العلم بالشىء إنما يكون بالشكل الأول ، من قبل ذلك صار أولى الأشكال وأحقها بالعلم ، لأن العلم ب « لم الشىء » هو العلم المحقق » - يريد : وأيضا فإن البراهين التى تعطى أسباب الشىء ووجوده معا إنما تكونت بالشكل الأول . وإذا كان العلم بسبب الشئ [ ٧٧ أ] هو العلم الأتم ، فالشكل الذى يعنى بهذا العلم هو أحق الأشكال . وإنما صار هذا النوع من البراهين يأتلف فى الشكل الأول ، من قبل أن نتائج هذه هى موجبات كلية ، وليس ينتج موجبة كلية ما عدا الشكل الأول ، على ما تبين فى كتاب « القياس » . (٣) ثم أتى بدليل آخر فقال « أيضا فإن الحدود إنما تتصير بهذا الشكل وحده » - يعنى أنه إنما تستنبط بهذا الشكل وحده . والبراهين المطلقة هى حدود بالقوة . ثم أتى بالسبب فى كون الحدود لا تستنبط فى الشكل الثانى ، فقال : من قبل أن الشكل الثانى لا تنتج فيه موجبة ، والحدود هى موجبات . ولما ذكر السبب فى كون الحدود لا تنتج فى الشكل الثانى ، ذكر السبب فى كونها أيضا لا تنتج فى الشكل الثالث فقال: « ولا الشكل الثالث أيضا ، من قبل أنه وإن كان ينتج فيه موجبات ، فليس تكون فيه نتائج كلية ، وإنما تكون جزئية. والحدود هى موجبات كلية ، إذ كانت تحمل على المحدود . مثال ذلك : إن حملنا على الإنسان أنه حيوان ذو رجلين مشاء الذى هو حده ، هو محمول على كل إنسان . (٤) ثم ذكر دليلا آخر فقال : « وأيضا فإن هذا الشكل غير محتاج إلى الشكلين الآخرين , وأما الشكلان الآخران فهما بحاجة - فى أن تتعلقا بمقدمات غير ذوات أوساط - إلى الشكل الأول » - يريد: وأيضا فإن هذا الشكل يكتفى بنفسه فى تبيين المطالب التى تبين بأكثر من قياس واحد حتى تنتهى إلى مقاييس مركبة من مقدمات غير ذوات حدود وسط ، أى أوائل يمكن أن تكون مقاييس جميع أمثال هذه المطالب < تجرى > بمقاييس فى الشكل الثانى ، فإنه ليس يمكن أن يكون جميع المقاييس التى يبين بها المطلوب البعيد فى هذا الشكل حتى ينتهى الأفراد إلى أشكال هى مؤلفة من مقدمات أوائل . وذلك أن القياس الذى فى الشكل الثانى التى تكون مقدمتاه نتيجتين لقياسين آخرين ليس يمكن أن تكون تلك المقدمات نتيجتين لقياس فى الشكل الثانى من قبل ان الشكل الثانى لا بد فى مقدماته من موجبة كلية . والموجبة الكلية إنما ، ينتجها الشكل الأول . وكذلك الشكل الثالث مقدمتاه كلتاهما منتجتان لقياسين آخرين ، هو محتاج إلى شكل آخر ، إذ كان لا بد فيه من مقدمة كلية . فإن كانت موجبة فهى تحتاج ضرورة إلى الشك الأول . وإن كانت سالبة فهى تحتاج إلى الشكل الأول أو الثانى . وقد تبين أن الثانى يحتاج ، إذا كانت مقدمتاه غير أوليتين ، إلى الأول . فإذن الشكلان - كما قال - مفتقران ، فى تبيين المطالب التى تتبين بأكثر من قياس واحد ، إلى الشكل الأول ، والشكل الأول فى ذلك مكتف [٧٧ ب ] بنفسه . فقوله : على هذا فهى محتاجة لمقدمات غير ذوات أوساط إلى الشكل الأول ، أى أن الشكلين الآخرين محتاجان ، متى تحللا إلى مقدمات غير ذوات أوساط ، إلى الشكل الأول .
١٥ - <القضايا السالبة المباشرة>
Page 376