قال أرسطاطاليس : « وكما أنه قد يمكن أن تكون « أ» موجودة ل « ب » بغير وصلة ، كذلك يمكن ألا تكون موجودة لها . ومعنى القول بأن الشىء يكون موجودا ، أو غير موجود له بغير وصلة - هو ألا يكون بين الحدين وسط . فعلى هذا تكون الموجبة والسالبة غير ذوات أوساط . » التفسير لما أخبر أن من شروط مقدمات البراهين البسائط أن تكون غير ذوات أوساط ، أى معروفة وعللا - يريد : وذلك أن من الأشياء المحمولة ما هو غير ذى وسط فى نفسه ولا ذو وسط فى المعرفة ، وهذه هى مقدمات البراهين المطلقة ؛ ومنها ما هى فى المعرفة فقط ، أعنى غير ذوات أوساط وهى الدلائل - فلما كان أحد شروط مقدمات البرهان أن تكون غير ذوات أوساط ، وكان قد بينه فى المقدمات الموجبة ، أراد أن يبين ذلك فى السالبة . فغرضه إذن فى هذا أن يبين أنه كما قد توجد موجبات أول ، كذلك قد توجد سوالب أول ، أى من قبل المعرفة والوجود فقوله : « ومعنى قولنا إن الشىء يحمل على الشىء أولا ، أو يسلب عنه أولا ، أى من غير شئ يصل المحمول بالموضوع ، هو أن لا يكون بين الحدين ، أعنى المحمول والموضوع ، وسط من قبله أوجب المحمول للموضوع ، أو سلب عنه . ولما حد الحمل الأول بهذا الحد ، وكان يظهر أنه يشمل الحمل الموجب والسالب - قال : « فعلى هذا تكون الموجبة والسالبة غير ذوات أوساط » - فى أن يوجد منه مما هو أول ، وما هو غير أول . وينبغى أن يفهم هاهنا من معنى الوسط : الذى فى المعرفة والوجود معا . قال أرسطاطاليس : « فأما متى كانت « أ» أو « ب » فى كل الشىء أو كلاهما فغير ممكن أن تكون « أ» موجودة ل « ب » أولا .فلتكن أفى كل ج ، وتكون مع هذا ب ليست فى كل ج ، فإنه ممكن أن تكون أفى كلى الشىء ، وب ليست فى كله ، فيكون من ذلك قياس ينتج أن أولا على شىء من ب . وذلك أنه إذا كانت ج على كل أ، وهى ولا على شىء من ب ، أنتج من ذلك أن أولا على شىء من ب . » التفسير لما أخبر أن الإيجاب يكون بغير وسط ، وأن السلب يكون [٧٨ أ] كذلك ، أخذ يبين ذلك المثال فقال : « فأما متى كانت أأو ب فى كل الشىء أوكلاهما - فغير ممكن أن تكون أموجودة ل ب أولا » - يريد أنه متى كان شيئان أحد هما داخلا تحت شىء ما ، والآخر غير داخل تحته ، فإنه ليس يمكن أن يكون سلب أحدهما على الثانى سلبا أولا . وكذلك متى كان شيئان كلاهما موجودان فى شىء واحد ، فليس يمكن أن يكون وجود أحدهما للثانى وجودا أوليا فكأنه قال : إذا كانت أأو ب أى احدهما داخلا تحت شىء واحد والآخر مسلوب عن ذلك الشىء فليس يمكن ان يكون سلب أحدهما على الثانى سلبا أوليا وكذلك متى كان كلاهما فى شىء واحد فليس يمكن وجود أحدهما للثانى وجودا أوليا . هكذا ينبغى أن نفهم ، على أن فى الكلام تقديما وتأخيرا وحذفا . وإلا فقد يعرض فى ذلك شك وهو : كيف قال : فغير ممكن أن تكون أموجودة ل ب أولا ، ثم أخذ يبين أن أليست مسلوبة عن ب إذا وجدت بالصفة المتقدمة سلبا أوليا فقال : فلتكن أفى كل ج ، وتكون مع هذا ليست فى كل ج . وينبغى أن يفهم من قوله : « أأو ب فى كلى الشىء » - أى يكون ذلك الشىء محيطا بأحدهما ، لا وجود الشىء فى موضوع . فإنه متى فهم هذا ، وجب أن يكون السلب جزئيا فى الشكل الثالث . وكذلك ينبغى أن يفهم من قوله : « أو كلاهما » أن يكون أحدهما فيه كالجزء فى الكل ، والأخر كالعرض فى الموضوع أو معنى « على » . فإنه أيضا متى لم يفهم على هذا ، أى القول من موجبتين فى الشكل الثانى . وأما متى فهمنا من « فى » ما يفهم من « على » فإن التأليف يكون فى الشكل الثالث . وقوله : « فإنه ممكن أن تكون أفى كل شىء ، وب ليست فى كله » - يريد على هذا التأويل : « فإنه ممكن أن يكون شيئان أحدهما مسلوب عن الثانى ، ويكون أحدهما جزءا من شىء ما ، وذلك الآخر مسلوبا عن ذلك الشىء الذى هو جزء منه . وإذا كان الأمر هكذا ، لم يكن سلب مثل هذا إلا بوساطة . ولذلك قال : « فيكون من ذلك قياس ينتج أن أولا على شىء من ب » ولما ذكر كون الفساد وجب وقوعه من الأشياء التى مادتها مثل هذه المادة ، كذلك نوع تأليفه فقال : « وذلك أنه إذا كانت ج على كل أ، وهى ولا على شىء من ب ، أنتج من ذلك أن أولا على شىء من ب . وهذا التأليف إنما يكون فى الشكل الثانى . وذلك أنه أخذ الحد الأوسط الذى هو ج محمولا على كل واحد من الطرفين اللذين أخذ بدلهما أوب . قال أرسطاطاليس : « وأيضا أن كان الباقى فى كل الشىء بمنزلة الدال ، فإنه ينتج أن أولا على شىء من ب . وعلى هذا المثال تكون السالبة ذات وسط [٧٨ ب ] بين ، وإن كانت كلتاهما فى كل الشىء » التفسير لما أخذ ثلاثة حدود - بدل الواحد : أ، وبدل الأخر : ب ، ووضع أن أليس يمكن أن تكون مسلوبة عن ب سلبا أولا متى كان أموجودا لشىء ما ، وب غير موجود له ؛ وبين ذلك بأن وضع أهى المحمولة ، وب يسلب . ثم أخبر أن مثل هذا يلزم إن وضعت ب هى الموجبة ، وأ المسلوبة . إلا أنه إذا وضع أن أهى الطرف الأكبر ، وهى المسلوبة ، فلا يكون هذا التأليف ضرورة إلا فى الضرب الأول من الشكل الثانى ، والأخر فى الضرب الثانى منه . وقوله : « وإن كانت كلتاهما فى كل الشىء » يريد : وكذلك إن كان الحدان يوجدان فى شىء واحد لم يكن إيجاب أحدهما للثانى إيجابا أوليا . قال أرسطاطاليس : [ 79 b]* « فأما أن ب يمكن ألا توجد فى كل ما توجد فيه أ، وأ يمكن إلا توجد فى كل ما توجد فيه ب ، فإن ذلك يظهر من الأشياء اللازمة لنظام واحد ، والتى لا يتغير نظامها . فإنه إن كان ولا الذى فى نظام أ ، ب ، ج تحمل على شىء من التى فى نظام د ه ز ، وكانت أعلى كل ط التى من نظامها - فظاهر أن د ولا على شىء من ط . وإلا فقد تبدل نظامها . وعلى هذا المثال كون ب فى كل شىء . » التفسير لما وضع أن هاهنا أشياء يسلب بعضها عن بعض من قبل طبيعة أخرى محيطة بأحدهما أو بكليهما ، يريد أن يعرف أن هاهنا طبائعا ما بهذه الصفة . فقوله : « فأما أن ب يمكن ألا توجد فى كل ما توجد فيه أ، وأ يمكن ألا توجد فى كل ما توجد فيه ب » - يريد : فأما أنه يمكن ألا توجد ب فى الطبيعة التى توجد فيها أ، أى فى الكلى المحيط بها ويكون ذلك هو السبب فى ألا توجد أفى ب ، فإنه أمر يظهر من الأشياء اللازمة لنظام واحد والتى لا تتغير- أى فإن ذلك يظهر وجوده فى الطبائع المتباينة اللازمة لنظام واحد ، أعنى الضرورة التى لا يتغير بعضها إلى بعض . فإنه متى فرضنا أشياء ، يحمل بعضها على بعض حملا طبيعيا ، وهى موجودة أيضا فى طبيعة أخرى مباينة لتلك الطبيعة ، فإنه ليس يحمل من الأمور الموضوعة فى إحدى الطبيعتين على شىء من الأمور الأخر التى فى تلك الطبيعة الأخرى حمل سلب إلا من جهة سلب الكلى المحيط بذلك الموضوع عن ذلك الشىء . مثال ذلك أنه إذا كان أوب وج فى طبيعة واحدة ؛ د وه وز فى طبيعة أخرى ، ولا يحمل شىء من التى فى طبيعة أوب وج على شىء من التى فى طبيعة د ه ز ، فظاهر أن أإذا كانت موجودة فى كل ما فى تلك الطبيعة ، أى يكون موضوعا له ، وذلك الشىء الكلى محمول عليها . كأنك قلت : ما عليه ط أن د [٧٩ أ] مثلا من تلك الطبيعة الأخرى يكون مسلوبا عنها ط فتكون د مسلوبة عن أ، من قبل سلب ط عنها . وهذا هو الذى دل عليه ، بقوله : « فإنه إن كان ولا التى فى نظام أب ج يحمل على شىء من التى فى نظام د ه ز - أى تكون الطبيعتان متباينتين » - ثم قال : « وكانت أعلى كل ط التى من نظامها » - يريد : وكانت أمحمولة بإيجاب على شىء ، فى طبيعتها أو هو محمول عليها مثل أن تكون محمولة على ط . ثم قال : « أن د ولا ، < على > شىء من ط » - يريد أن الذى من الطبيعة الأخرى ، كأنك قلت : د ، يجب أن يكون مسلوبا عن ط . فسلب د عن أإما فى الشكل الأول ، وإما فى الشكل الثانى ، وذلك بتوسط ط . وقوله : « وإلا فقد تبدل نظامها » - يريد أنه لم يعرض أن تكون د مسلوبة عن ط ، فقد تبدل نظام تلك الطبيعتين وانقلبت إحداهما إلى الأخرى ، وقد كنا قلنا إنها غير منقلبة - هذا خلف لا يمكن . وقوله : « وعلى هذا المثال كون ب فى كل الشىء » - يريد : وعلى هذا المثال الذى قلناه فى أإذا كانت داخلة تحت كلى ما مسلوب عن ب ، أنها تكون مسلوبة عن ب ، بتوسط ذلك الكلى ، يلزم فى ب متى وضعناها داخلة تحت طبيعة ما . قال أرسطاطاليس : « فأما إذا لم يكن الحدان موجودين للشىء ولا واحد منهما ، كأن ا تكون غير موجودة لشىء من ب بغير وصلة . فأما إن كان بينهما وسط ، فقد يلزم أن يكون أحدهما فى كله ، فيكون على ذلك قياس إما فى الشكل الأول ، وإما فى الثانى . فإن كان فى الشكل الأول ، فإن ب تكون في كل شيء وتكون المقدمة الصغرى موجبة . وأما أن كان في الشكل الثانى فأيهما كانت السالبة فهو ممكن أن يكون عن ذلك قياس . فأما إن كانتا سالبتين ، فلا يكون قياس » فمن البين أنه ممكن ألا يوجد شىء ما بشىء آخر . فأما متى يمكن ذلك ، فقد أخبر به . » التفسير لما عرف متى لا يكون السلب أوليا - وذلك إذا كان الشىء يسلب عن الشىء من قبل طبيعة أخرى محيطة بأحد الشيئين المسلوب أحدهما عن الآخر- شرع يعرف متى يكون السلب أوليا ، وهو متى عدم هذه الحال فقال : « فأما إذا لم يكن الحدان موجودين للشىء ولا واحد منهما ، فإن أتكون غير موجودة لشىء من ج بغير وصلة » - يعني بالحدين : الشيئين المسلوب أحدهما عن الآخر ، وهو الذى أخذ هاهنا بدل أحدهما علامة : أ[٧٩ ب ] وبدل الآخر علامة : ب . وقوله : « موجودين للشىء » - يعنى أنه متى لم يكن ولا واحد من الحدين المسلوب أحدهما عن الأخر موجودين لشىء ما ، فإن سلب أحدهما عن الآخر يكون بغير وسط . وقوله : « فإن كان الشكل الأول . . » إلى آخر قوله : هو بين بما تبين فى كتاب « القياس » . وكلامه فى ذلك مفهوم بنفسه . وقد شك ابن سينا على الذى قاله فى هذا الموضع ، وهو أن يوجد شيئان يسلب أحدهما عن الأخر ، من غير أن يكون هنالك وسط أصلا . فإنه زعم أنه ما من شىء يسلب عن شىء إلا ويمكن أن يسلب عنه من قبل حده ، أو من قبل لاحق من لواحقه ، إذ كان لا يخلو من لاحق . وهذا الشك هين الحل . وذلك أنه لما كان المحمول الأول بإيجاب هو الذى لا يحمل على الشىء من قبل طبيعة أخرى هى السبب فى حمله عليه ، وجب ضرورة أن يكون المحمول الأول السالب هو الذى لا يسلب عن الشىء من قبل طبيعة أخرى هى السبب فى ذلك السلب . وحد الشيء ليس هو طبيعة أخرى غير الشىء . وأما أعراضه فإن نسب إليه من قبلها شىء منها فبالعرض ، أعنى الذى يوجد السلب له من قبل جوهره . ولذلك ينبغى أن يفهم هاهنا من الحدود الوسط التى توجد فى السلب الغير أول ، التى هى حدود وسط بالطبع ، والمعرفة التى هى حدود وسط بحسب المعرفة .
١٦ - <الغلط والجهل الناتجان عن مقدمات مباشرة>
Page 382