الشعوب لا يتورعون عن التوسل بأية وسيلة ، والاستفادة من أية واقعة في سبيل تحقيق مآربهم حتى أنهم لا يتأخرون عن التذرع بترويج الخرافات والأساطير القديمة بين الشعوب للوصول إلى سدة الحكم ، أو البقاء فيها ما امكنهم ذلك. ولو اتفق أن كانوا رجالا موضوعيين ومنطقيين فانهم في هذه الحالة دافعوا عن تلك الخرافات والأوهام والاساطير التي لا تنسجم مع اي مقياس عقلي بحجة الحفاظ على التراث القومي ، أو احترام راي اكثرية الشعب ، أوما شابه ذلك من الحجج المرفوضة.
ولكن رسول الإسلام لم يكتف بإبطال المعتقدات الخرافية التي كانت تلحق الضرر به ، وبمجتمعه ، بل كان يكافح ويحارب بجميع قواه كل اسطورة أو خرافة شعبية أو فكرة فاسدة باطلة ، تخدم غرضه ، وتساعد على تحقيق التقدم في دعوته ويسعى إلى أن يجعل الناس يعشقون الحقيقة لا ان يعبدوا الخرافات ، ويكونوا ضحايا الاساطير والأوهام ، واليك واحدا من هذه المواقف العظيمة على سبيل المثال لا الحصر.
لما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو ابنه الوحيد ، حزن عليه النبي حزنا شديدا فكانت تنحدر الدموع منه على غير اختيار ، واتفق ان انكسفت الشمس في ذلك اليوم أيضا ، فذهب المولعون بالخرافة في ذلك المجتمع ( العربي ) على عادتهم إلى ربط تلك الظاهرة بموت إبراهيم واعتبار ذلك دليلا على عظمة المصاب به فقالوا : انكسفت الشمس لموت ابن رسول الله ، فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنبر وقال : « أيها الناس ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله يجريان بامره ، ومطيعان له ، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، فاذا انكسفا ، أو أحدهما صلوا ».
ثم نزل من المنبر فصلى بالناس صلاة الكسوف وهي ما تسمى بصلاة الايات (1).
Page 69