فلابد أن نعرف ماذا كانت تلك الاغلال والسلاسل التي كانت عرب الجاهلية ترزخ تحتها حتى قبيل بزوغ فجر الإسلام؟
لا ريب أنها لم تكن من جنس الأغلال والسلاسل الحديدية ، ولم يكن المقصود منها ذلك أبدا ، فماذا كانت إذن يا ترى؟
أجل إن المقصود من هذه الاغلال هي الأوهام والخرافات التي كانت تقيد العقل العربي عن الحركة ، وتعيقه عن النمو والتقدم ، ولا شك أن مثل هذه السلاسل والأغلال التي تقيد الفكر البشري وتمنعه من التحليق والتسامي ، اثقل بكثير من الاغلال والقيود الحديدية واضر على الإنسان منها بدرجات ومراتب ، لأن الأغلال الحديدية توضع عن الأيدي والأرجل بعد مضي زمان ، ويتحرر الإنسان منها ، بعد حين ، ليدخل معترك الحياة بعقلية سليمة مبراة من الأوهام والخرافات ، وقد زالت عنه ما تركته تلك الحدائد من جروح وآلام.
أما السلاسل والاغلال الفكرية ( ونعنى بها الاوهام والاباطيل والخرافات ) التي قد تهيمن على عقل الإنسان وتكبل شعوره فانها طالما رافقت الإنسان إلى لحظة وفاته ، واعاقته عن المسير والانطلاق ، دون ان يستطيع التحرر منها ، والتخلص من آثارها ، وتبعاتها ، اللهم إذا استعان على ذلك بالتفكير السليم ، والهداية الصحيحة.
فبالتفكير السليم وفي ضوء العقل البعيد عن أي وهم وخيال يمكنه التخلص من تلك الاغلال والقيود الثقيلة ، وأما بدون ذلك فإن أي سعي للإنسان في هذا السبيل سيبوء بالفشل.
إن من أكبر مفاخر نبي الإسلام أنه كافح الخرافات ، وأعلن حربا شعواء على الأساطير ، ودعا إلى تطهير العقل من أدران الأوهام والتخيلات ، وقال : لقد جئت لاخذ بساعد العقل البشري ، وأشد عضده ، واحارب الخرافه مهما كان مصدرها. وكيفما كان لونها وأيا كانت غايتها ، حتى لو خدمت أهدافي ، وساعدت على تحقيق مقاصدي المقدسة.
إن ساسة العالم الذين لاتهمهم إلا إرساء قواعد حكمهم وسلطانهم على
Page 68