فلو أنصف صاحب الرسالة لقال: لا يمنع وجود المتشابه في السنة عن العمل بها ولا يوجب ذلك ردها أصلا، إذ قد كان التشابه في القرآن، فأما تأويل ما يحتمل التأويل ويرد إلى المحكم كالأخبار في الصفات كما تأولها أهل الحديث في الشروح وغيرهم أو أمرت على قول بعض السلف بعد اعتقاد أن الله ليس كمثله شيء سبحانه ويرد تأويلها إلى الله على أحد القولين في ذلك كما جرى ذلك في متشابه القرآن على السواء، ولكن الناس عدوا ما جهلوا: { كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله } [البقرة:285] فيجب الإيمان بما نطق به شارع الأديان عليه أفضل الصلاة والسلام.
وأما ما نقل صاحب الرسالة عن علي بن المديني أنه في زمن بني أمية وضع كثير من الفضائل للمشايخ وهي كذب.
فجوابه: أن ذلك ليس بحجة للقاضي على ترك كتب السنة، بل ذلك حجة عليه؛ لأنهم ميزوا فيها الموضوع من غير الموضوع ما لا يعرفه سواهم فجزاهم الله خير الجزاء، فلولاهم ما عرف الموضوع الذي ذكر علي بن المديني من غيره، فأما أن يترك جميع ما رووا من الحديث فهذا حيف وضلال كبير ووسواس ورد للسنة النبوية، أو تعمل بالكل وكان عملا بالموضوع وفيه ما لا يخفى، فإذا كان الحق هو في الرجوع إلى ما صح في السنة المنورة كما نقده وصححه حفاظها جزاهم الله خيرا، وبهذا يزول الإشكال.
قال صاحب الرسالة: ومن أصول أئمتنا تقديم ما وافق الكتاب العزيز أو اشتراط موافقته والمحدثون لا يعتبرون غير الشروط التي اعتبروها للصحة.
Page 29