و" السيد عزيز الدولة وتاج الملة أمير الأمراء " - أعز الله نصره - أفضل من أن يظلم الصدفة أو غيرها من الأشياء. وما أحسبك إلا كاذبًا في دعواك، فإنها تجري من افترائك على عادة، وترجع من التخيل الفاسد إلى سجية.
وزعمت أن أهل مملكة " محمود " يزعمون أن له سبعمائة فيل، يستعظمون ذلك من ملكه، وأن " السيد عزيز الدولة وتاج الملة أمير الأمراء " - أعز الله نصره - لو أراد أن يجمع في اليوم الواحد عشرة آلاف فيل على نحض وثريد، لفعل.
فأول كذبك أنك ادعيت للفيل أكل النحض، وهذا ما لا يعرف.
لو كان كذلك لفرس كما تفرس السباع.
ومن أين لملك في الشام فيل واحد أو فيلان، وقد كان بحلب - حرسها الله - ملوك كثير لم نعلم أحدًا منهم ملك فيلًا قط؟ وإني لأظن الصاهل أصاب في جفوتك ووفق لما أعرض عن النهوض في حاجتك.
ولعله لم يضح له من أمرك وكذبك ما قد وضح لي واستنار. فبعدًا لك، وإلى ربك مآبك، فيغفر لك أو يعاقبك، وهو علام الغيوب.
فيقدر الله سبحانه أن ينطق الشاحج فيقول: إن الشكلين متباعدان: أريها السها وتريني القمر.
ليست النخلة بأخت للسدرة. أخلف وعيًا مظنة، وإن الظن ليتقيل.
وإن العين لتكذب، وإن فراسة العاقل ربما تخيب.
كأنك، شهد الله، كوسى قدم الساعة من بلغار أو جوخان، لم تطرق أذنيه كلمة عربية قط. وإن الموصين بنو سهوان.
ألم أبدأ في خطابك بأني قد جمعت أخبارً على نحو ما ذكره " ابن دريد " في الملاحن وابن فارس في فتيافقيه العرب؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون: إذا قطعن علمًا بدا علم، استجرت من الرمضاء بنار، وفررت من السيل الراعب إلى المعطشة المهلكة، " فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ".
إنما الحسن والحسين كثيبًا رمل، ألغزتهما عن " الحسن والحسين " صلى الله عليهما وسلم. قال " الضبي ":
لأُمِّ الأَرضِ وَيْلٌ ما أَجنَّتْ ... بِحيثُ أَضَرَّ بالحسَنِ السبيلُ
وقال " الحارثي ":
تركْنَا بالثنيَّةِ من حُسَيْنٍ نِساءَ الحَيِّ يَلقطن الجُمانَا
وهذا الذي عنيت بقولي: إن " الحسن " ﷺ، لم ير الحسين. لأنا لم نعلم أنه ﷺ رأى هذا الكثيب قط.
وفيه وجه آخر، وهو أن يكون: لم ير، من قولهم: رآه يرآه إذا ضرب رئته. ثم خففت الهمزة. كما قالوا: تنا، في: تنأ. أنشد " أبو إسحاق الزجاج " في كتابه المعروف ب " جامع المنطق ":
أَقولُ والعيسُ تَنَا بِوَهدِ ... إِنْ تَنزِلا أَكفِكُما بِجُهدي
فطالَ ما سُقْتُ المطِيَّ وَحْدِي
والعلى: الفراش الشديد الصلب. والاشتقاق يدل على أنه العالي. فهذا البذي عنيت بقولي: إن " فاطمة " - صلى الله عليها وسلم - لم تر عليًا في بيتها.
والخل: الرجل المهزول. ويجوز أن يكون المختل الحال. وهذا الذي عنيت بقولي: إن الخل يجوز أن يكون فيما سلف، كان يحضر مائدة " علي بن الحسين " ﷺ.
والجعفر: النهر الكثير الماء. فهذا الذي عنيت بأن " الباقر " ﵇ لم ير جعفرًا في داره قط. ألغزته عن " جعفر الصادق " ﷺ.
والبث: تمر مفترق لم يجد كنزه. فهذا الذي عنيت بأن " الحسن والحسين " كانا يأخذان البث بأيديهما. ألغزته عن البث الذي يجده الرجل في نفسه. ومعلوم أنهما ﷺ كانا يأكلان التمر.
والبسر: الماء القريب العهد بالسحاب. قال " أبو ذؤيب ":
فجاءَ وقد فَصلتْه الجنو ... بُ عَذبَ المَذاقَةِ بُسْرًا خَصِرْ
وأم الصبيين: الهامة. قال " تأبط شرًا ":
إِذا أَفزعُوا أمَّ الصبيينِ طيَّروا ... عَفارِيَ عنها ضافَةً لم تُرَجَّلِ
ألغزت أم الصبيين عن المرأة التي لها صبيان، لأن العرب تردد ذلك، فيقولون: أم الصبي، وأم الصبيين. أنشد " الفراء ".
أَلا زعمتْ أمُّ الصبيِّ خزَايَةً ... على فزارةَ أَنْ عرفتُ بني عَبْسِ
والأعرج الذي عنيت أن " عليًا " ﷺ كان يأمر بقتله في الحرم، هو الغراب أو الذئب. لأنهما أعرجان، وقتلهما مباح في الحرم مندوب إليه.
والأعيرج: ضرب من الحيات.
1 / 62