إِني لَمِثلِكُمُ في سوءِ فِعلكمُ ... إِن جِئتُكم أَبدًا إِلا مَعِي زَادِي
والذباب وإن كان مكروهًا، فإنه دليل الخصب وكثرة النبات.
ألم يبلغك قول " المتلمس ":
هَلُمَّ إِليها قد أُثيرتْ زروعُها ... وعادَتْ عليها المَنْجَنُونُ تَكدَّسُ
فهذا أَوَانُ العِرْضِ جُنَّ ذبابُه ... زنابِيرُه، والأَزرقُ المُتَلَمِّسُ
وقال " أبو النجم ":
مُسْتَأسِدٌ ذِبَّانُه في غَيْطَلٍ ... يقولُ لِلرَّائِدِ أَعْشَبتَ انْزِلِ
وقال " عنترة " ووصف كثرة الغيث في الروضة:
وخلا الذبابُ بها فليس بِبَارِحٍ ... غَرِدًا كَفِعْلِ الشاربِ الترنِّمِ
هَوِجًا يَحُكُّ ذِراعَه بِذِراعِه ... قَدْحَ المُكِبِّ على الزنادِ الأَجذمِ
فكيف جعلت عبيده - أعز الله نصره - يحبون البق ويبغضون الذباب؟ لعلك ذهبت إلى وقوعه على الشراب والطعام، ولعلهم يحبون البق لأن من شأنه أن يسهر ويمنع النوم، فكأنهم يرغبون في السهر مخافة أن تعرض لهم خدمة وهم نيام! وزعمت أن عبيده - أعز الله نصره - لو وقف أحدهم على ظهور الأسد يومه أجمع، لم تشعر به؛ فما الذي قصدت في زعمك؟ لقد نسبت الأسد إلى إفراط النوم وثقل رءوسها فيه، فكأنها قد همت أن تموت، كما قال الراجز يصف الإبل:
فَصَبَّحتْ حَوْضَ قِرًى بيوتًا ... يَلْهمْنَ بَرْدَ مائِه سُكوتًا
سَفَّ العجوزِ الأَقِطَ الملْتُوتا ... وتركتْ راعيَها مَسْبُوتًا
قد هَمَّ لما نامَ أَن يموتا وزعمت أنه - أعز الله نصره - يكره أن ينظر الرجل إلى غراب لا يملكه.
ومن الذي يرغب في ملك الغربان وليست حسنة في المنظر ولا مليحة الأصوات ولا ذوات بركة عند الناس، وليس أكلها بمطلق؟ والولدان يرغبون في ملك الحمائم والحجل والسوذانقات ولا يرغبون في ملك الغربان. وما زالت الشعراء تدعو على الغراب وتلعنه في الجاهلية والإسلام. وانضاف إلى ذلك إباحة قتله في الحرم. قال " الطرماح " وقد أنشده " ابن العميد ".
وَدَعَا بالذي يُخاف من البيْ ... نِ لَعِينٌ يَنُوضُ كلِّ مَناضِ
صَيْدَحيٌّ الضُّحَى كأَنَّ نَساه ... حين يَحْتَثُّ رِجْذلَه في إِباضِ
وقال آخر، وذكر الغربان:
من اللائي لُعِنَّ بِكُلِّ أَرضٍ ... فليس لهن في أَرضٍ مَقِيلُ
يُباكِرْنَ الديارَ يَجُلْنَ فيها ... وبئس من المليحاتِ البَديلُ
وزعمت أن " أمير الأمراء عزيز الدولة وتاج الملة " - أعز الله نصره - تثنى عليه الدرة وتفر منه الصدقة خشية العقوبة؛ وهو لعمري جدير بالثناء من الدرة واللؤلؤة والشذرة والشنف والعقد وجميع الحلى. ولكن، ما بالك خصصت الدرة بذلك، وليست جارية مجرى البرج والصور؟ لأن ذينك يقوم حسن الأثر فيهما مقام نطقهما بما يفهم. قال " نصيب ":
فَعَاجُوا فأَثْنَوا بالذي أَنتَ أَهلُه ... ولو سَكتوا أَثنَتْ عليك الحقائبُ
فأما الدرة فكيف يظهر ثناؤها على " السيد عزيز الدولة وتاج الملة أمير الأمراء " أعز الله نصره، وليست بلاده بلاد در ولا لؤلؤ وإنما هي بلاد جهاد وحماية؟ وما ذنب الصدفة حتى تفر خشية أن تقع بها العقوبة من " السيد عزيز الدولة وتاج الملة أمير الأمراء " - خلد الله أيامه؟ إن كانت لم تضمن درة ولا لؤلؤة فلا ذنب لها في الأقضية، لأن الله لم يودعها نفيسًا من الجوهر. وأي ذنب للمنزل إذا لم يسكنه رجل شريف، والمدينة الآهلة إذا لم يلها وال عادل؟ ولو وجبت على الصدفة عقوبة إذا لم يوجد فيها لؤلؤة، لوجب عقوبة الشجر إذا لم يثمر، وتحريق الهميان أو تخريقه إذا لم تكن فيه دراهم أو دنانير.
وإن كانت الصدفة قد ضمنت درة أو لؤلؤة وأدتها إلى بني آدم، فقد استحقت الشكر بأداء الأمانة، لأنها حفظت لهم النفائس.
وحسبها من الفضيلة أن الدرة تنسب إليها فتسمى صدفية. قال " النابغة ":
كَمُضِيئةٍ صَدَفِيَّةٍ غوَّاصُها ... بَهِجٌ متى يَنظُرْ إِليها يَسجُدِ
1 / 61