كأَن نَطاةَ خيبرَ زوَّدتْه ... بُكورَ الوِرْدِ رَيِّثةَ القلوع
وكانت اليهود إذا طمعت في الرجل يقدم عليهم، يقولون له على سبيل السخرية: اعل تل الرابية فانهق عليها نهاق الحمار عشر مرات لتأمن بذلك حمى خيبر. ونزل بهم رجل من العرب فقالوا له مثل ذلك فقال:
تقولُ: اعلُ وانهَقْ لا تضرُّكَ خَيبرٌ ... وذلك من دِينِ اليهود وَلُوعُ
لَعمري لئن عَشَّرتُ من خشيةِ الردَى ... نُهَاقَ الحمار، إِنني لَجزُوعُ
وأما قولك إن في نواحي " نجران " خيلًا لها قرون. فليس ببديع من قدة الله، ولكنا لم نسمع به. وكم تدعى أنه يكون للفرس؟ أقرن أم قرنان أم أكثر؟ فقد زعم " ابن الأعرابي " أن الهرميس هو الكركدن، وهو دابة أصغر من الفيل، له قرن واحد. قال الراجز:
بالموتِ ما عيَّرتِ يا لَميسُ
قد يهلِكُ الأرقمُ والفاعوسُ
والأَسَدُ المُذَرَّعُ الحَؤوسُ
والفِيلُ لا يَبقى ولا الهرِميسُ
وحدث بعض الناس أن قرن الكركدن تعمل منه المناطق، وذلك أنه أبيض، فيقطعونه على مقدار الحلية.
وقد قال بعض أهل اللغة: الشقحطب كبش له أربعة قرون.
فلذلك سألتك عن عدة قرون هذه الخيل.
وأما قولك إن الأوعال في جبالها تراقب الصوم ولا تراقب الصلاة؛ فما عرضها عندك بما تصنع؟ أتصوم وعندها ما ترعاه؟ أتظنها ترجو رحمة من الله بذلك؟ وأي صوم للذي ينبذ الصلاة خلفه؟ وقد رخص في ترك الصوم للشيخ الكبير، فأما ترك الصلاة فما رخص فيه، بل يصلي الرجل كيف أمكنه، حتى يصلي الغريق وهو على رف سفينة والمريض وهو لا يقدر على التوجه إلى القبلة.
وادعيت على الفقهاء أنهم يوجبون على من وطيء الجامع الغسل وإن كان ظاهرًا. أفتزعم أن هذا الغسل فرض أم سنة؟ فإن زعمت أنه فرض فكذبت. وإن زعمت أنه سنة فقد أخطأت. لأن الغسل إنما ندب إليه في يوم الجمعة قبل وطء الجامع، فأما بعده، فلا. وفي الحديث: " من توضأ فيها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل ".
على أن الناس لا يمكن كثيرًا منهم ذلك، فكم من خطيب يخطب على منبر في يوم جمعة، عهده بالغسل بعيد.
وزعمت أن " محمد بن إدريس الشافعي " كان لا يقرب من الجامع ويبيت في الكنيسة، فجحدت بلادك: أتدعي على رجل من قريش مطلبي معروف بالفقه أنه كان يهجر الجوامع ويكثر المبيت في الكنائس؟ وما الذي أفقره إلى المبيت في الكنيسة وهجران الجوامع؟ أميل إلى الإنجيل عن الكتاب الكريم ورغبة في صحبة قوم ليسوا على دينه ولا من أهل ملته؟ ولعله لم يبت في كنيسة قط، ولا ترك الجامع في يوم جمعة إلا من عذر. والموضع الذي كان يجلس فيه بجامع المدينة، مدينة أبي جعفر، معروف إلى اليوم، يجلس فيه الفقهاء ببغداد.
وادعيت على " أبي حنيفة " أنه كان يأكل لحم الفقيه دون الفرضى والنحوى.
أفترى " أبا يوسف، ومحمدًا " وافقاه في هذه المسألة على رأيك؟ وقد كان في زمنه فقهاء كثير، ولو علموا هذا من رأيه لم يقاروه ولم يساكنوه. وما رأيك في " زفر "، أكان يتابعه على هذا القول؟ " ألا لعنة الله على الكاذبين ".
وادعيت على أهل الجزيرة أنهم يأكلون لحوم الفقهاء في السنة المجدبة.
وكذبت على القوم. ما زال بينهم رجال من أهل الفقه منذ اشتمل على ديارهم ملك الإسلام. ولم يرب أحدًا منهم ريب إلا كما يريبه في غير الجزيرة من البلاد.
وزعمت أن قومًا بنواحي اليمن يأكلون الذرة ويكيلونها بالذهب، وإن بعضهم يجوز ألا يكون ملك دينارًا قط.
فمن يضرب له مكوك من الذهب أو صاع أو مد، كيف لا يضرب له دينار، هذه الفرية، فبفيك التراب.
ولقد جئت بالنكراء في ادعائك أن لحم الشيطان يؤكل. وقيل ل " عامر الشعبي " ماذا تقول في لحم الشيطان؟ فقال: إن قدرت عليه فكله. فأبعدك الله، أليس في الكتاب العزيز: " والجان خلقناه من قبل من نار السموم ".
وفي موضع آخر: " وخلق الجان من مارج من نار ".
فأي لحم له وهو ناري، والنار جوهر لطيف ليس يجري مجرى الطين؟ ولعلك تذهب إلى أن الشيطان ليس هو الجان الذي عني، وذلك خطأ منك. أليس في الكتاب الكريم: " إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ".
وكيف تظن أنهم يتوصلون إلى أكله؟ أيصيدونه بفخ أم شرك؟ أم يحفرون له زبية كزبية الأسد؟ ولو صدقت لكان غث اللحم خبيثه.
1 / 54