ولم يكفك ما ادعيته من الكذب، حتى ادعيت أن الدجال قد ظهر منذ سنين في أعمال " السيد عزيز الدولة وتاج الملة أمير الأمراء " - أعز الله نصره - وأنه يأوي إلى بعض الجند.
ولو علم - خلد الله ملكه - لتقرب بدمه إلى الله سبحانه وأراح من أذاته المسلمين.
وله شروط وآيات تكون قبل خروجه، لم يظهر منها شيء. وقد كان بالمدينة قوم يظنون أن " عبد الله بن صائد " هو الدجال. فأسلم عبد الله بن صائد وغزا مع المسلمين. وقال " جابر بن عبد الله "، أو غيره من الصحابة: مازلت في شك من عبد الله بن صائد، حتى قبر.
وكذلك قولك في " يأجوج " كأنك لم تسمع بقوله تعالى: " حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ".
وكيف لم يظهر الدجال ويأجوج إلا في علم " السيد عزيز الدولة وتاج الملة أمير الأمراء " - أطال الله بقاءه - وهو من أوسط البلاد؟ وإنما جاء في بعض الحديث أنه يخرج في يهود إصبهان. وقال " كعب الحبار " لرجل من أهل البصرة: أفي بلادكم ماء يقال له كذا؟ - وأحسبه قال: سفوان - قال: نعم. قال: إنه لأول ماء يرده الدجال، من مياه العرب.
وزعمت أن قاضي " حلب " حرسها الله. عادل منصف، إلا أنه يجيز طبخ المظلوم بقدر أو مرجل.
فما تقوم شهادتك له بالعدل، بدعواك هذه العظيمة؟ وقد أدركنا بعض الناس يحدثون عن بعض آل كيغلغ - وأحسبه إسحاق المعروف بأبي يعقوب - أنه كان يطبخ من يقع في يده من الجانين ويطعمه بعض الجناة الأحياء. وهذا إفراط في العقوبة لم يطلقه كتاب الناس الكتب ولا سنة. وما زالت قضاة حلب، حرسها الله، عادلين راشدين لا يجيزون ذبح الفرخ إلا بحق، فكيف حسن في نفسك أن تنطق بما نطقت؟ وأعجب من هذا القول، زعمك أن يبيح ضرب خد المظلومة بالفؤوس؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون. لولا أن أمك وأباك معروفان لزعمت أنك من القوم الذين مسخوا وقيل فيهم: " كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ".
وقولك: إن من دينه أن يأمر الظالم بمعونة الظالمة. فمعاذ الله ما شهدنا إلا بما علمنا " وما كنا للغيب حافظين ".
وادعيت على هذا القاضي، أنه يحلل للخباز أن يأكل كبد العجان وأي عضو شاء من جسده؛ فما الذي خص العجان بذلك، وقد أعان الخباز على البغية ومهن فيما أراد؟ وأنت منذ اليوم تجيز أن يؤكل لحوم الناس كأنهم ضأن في توهمك أو معيز.
واعيت على قاضي حلب - حرسها الله - أنه يحب أن يدخل الجنة، وأنه مع ذلك يبغض الحور العين.
وما بلغت بأحد من أهل الأرض بغضة النساء والغنى عنهن، أن يبغض الحور العين! ولأي شيء يبغضهن، وهن لم يرين قط ولم يظهرن لبني آدم وهم في الحياة؟ وقد اختلف الناس فيهن، فقال قوم: هن خلق يخلقه الله عزت قدرته، ليس من بني آدم، واحتجوا بالآية: " إنا أنشأناهن إنشاء، فجعلناهن أبكارًا، عربًاأرابًا، لأصحاب اليمين ".
وسئل بعض أصحاب رسول الله ﷺ عن الحور العين فقال: " هن عجائزكم هؤلاء الدرد الشمط ". يحتج بأنهن يخلقن خلقًا ثانيًا.
وكيف يبغض الإنسان من لم يره قط، وقد وصف له بالخير دون غيره من الشرور؟ وإنما يغض الإنسان من لا يعرفه إذا وصف له بالشر.
ولعل " جران العود النميري " لو قيل له إن امرأتيه " رزينة وأم حازم " تكونان في العاقة من الحور العين، لصبر لهما على الأذاة المؤلمة إلى آخر الدهر. وكذلك صاحب " جيداء " - وهو ابن أخي " عبد الله ابن أم أوفى " صاحب رسول الله ﷺ ولو قيل له إن جيداء امرأته تكون في العاقة من الحور العين، لجاز أن يشغف بها شغف " عبد الرحمن بن أبي بكر " بليلى ابنة الجودى " و" عروة بن الورد " بسلمى امرأته لما طلقها فقال:
سقَوْني النَّسْءَ ثم تَكنَّفوني ... عُدَاة اللهِ من كَذِبٍ وزُورِ
وأصل النسء: لبن يخلط بماء، ويقال إنه أراد به ها هنا الخمر - وكان أهله سقوه فلما سكر وشوا إليه بامرأته سلمى وعابوها عنده وسألوه أن يفارقها ففعل. فلما صحا ندم.
وقصيدة " الجران " في ذم امرأتيه معروفة، ومنها:
أَلا لا تَغُرَّنَّ امْرأَ نوفليةٌ ... من الناسِ يومًا أَو تَرِيبٌ وُضَّحُ
ولا فاحِمٌ يُسْقَى الدِّهانَ كأَنه ... أَساوِدُ يَزْهاها لعينِكَ أَبْطَحُ
فإِن الفَتَى المغرورَ يُعطِي قِلادةً ... ويُعْطِي المُنَى من مالِه ثم يُفضَحُ
1 / 55