فقتل " حسان " أخاه فأخذه السهاد حتى مات. وعاد على أهل مملكته باللوم، إلا " ذا رعين ". " ويقال أنه عاوده النوم لما قتل قتلة أخيه " ومن الجارية التي مرت عليك فشهد الثقات أن عمرها أكثر من ألف سنة؟ أسوداء هي أم بيضاء؟ أرومية أم حبشية؟ هذه المقالة تصح إن كان في الدنيا قوم يسمون اليوم سنة. أو لعلك صحفت فأردت سبة، فقلت: سنة، فالتصحيف قد جاء عن كثير من العلماء، فمن ذلك ما يروى عن " المفضل " في قوله:
وذاتُ هِدْمٍ عَارٍ نواشِرُها ... تُسْكِتُ بالماءِ تَوْلبًا جَدِعا
أي سيىء الغذاء. أنشده " المفضل ": جذعًا. وصحف بعض أهل العلم:
عننًا باطلًا شدوخًا كما تع ... تر عن حجرة الربيض الظباء
فقال: كما تعنز. وصحف بعضهم قول " أبي ذؤيب ":
بِذَمائهِ أَو ساقطٌ مُتجَعْجعُ
فقال: بدمائه. وصحف " آخرون قول " الكميت ":
وخُضْنَا بالقُرَاتِ إِلى تَميمٍ ... وقد ظنَّتْ بنا مُضَرُ الظُّنونا
فقالوا: الفرات. ومثل هذا كثير. وهذه دعوى من بعض العلماء على بعض. وقد يجوز أن يكون من ادعى عليه التصحيف، سمعه من العرب كذلك. ودخل بعض البصريين على " الفراء " فسمعه يملي بيت " القتال الكلابي ":
يا قاتَلَ اللهُ صِبْيَانًا تَجيءُ بهمْ ... أمُّ الهُنَيْبِرِ من زَنْدٍ لها وَارِي
فقال " الفراء: أم الهنيين. فتركه حتى إذا قام الناس قال: أصلحك الله، إنما هو: أم الهنيبر. فأفكر " الفراء " قليلًا ثم قال: يرحم الله أبا الحسن - يعني الكسائي - ربما أنشدنا البيت والبيتن على غير سماع.
ورووا أن " يعقوب بن السكين " صحف قول " عدي بن الرقاع ":
وعَلاَ الصُّلْبُ فاستتبَّ إِلى حَيْ ... ثُ يكون العُرشانِ منه الفِقَارُ
فقال: الفرسان. ومثل هذا كثير.
والدجاجتان البيضاوان أقامتا بزعمك ستة أشهر أو سبعة لا تأكلان ولا تشربان! فلو أنهما من الحور العين لسوغ لك ما ادعيت. وليس في طاقة حيوان أرضي أن يقيم هذه المدة بلا غذاء. وقد كان رجل في زمان " الحجاج " يوصف بأنه يطوي الأيام الكثيرة بلا طعام. فيقال إنه حبسه خمسة عشر يومًا بأنه يطوي الأيام الكثيرة بلا طعام. فيقال إنه حبسه خمسة عشر يومًا لا يطعمه ولا يسقيه، ثم فتح عليه الباب فوجد قائمًا يصلي، فعجب منه وصرفه. والنصارى يدعون أن " المسيح " ﵇، أقام أربعين يومًا لا يأكل ولا يشرب. واختلفت الحكاية عن " عبد الله بن الزبير ": فروى " المدائني " أنه كان يقيم خمسة عشر يومًا لا يطعم ولا يشرب.
وقال غير " المدائني ": سبعة أيام، ثم يكون أول ما يصيب سمنًا عتيقًا يتحساه. ومراده - فيما روى - أن يفتق معاه.
وزعمت أنك رأيت جاموسًا خرج من بيضة! فعلى أي وجه أحمل كذبك؟ مثلى معك مثل الرجل مع " عمر بن عبد العزيز " لما قال له: ما تقول في رجل ضحى بضبي؟ فقال عمر: قل: ضحى بظبي. فقال: إنها لغة. فقال " عمر ": انقضى العتاب.
وقد ادعيت على البيض والبيضة أشياء منها هذا القول. ومنها قولك إن عجوزًا بدمشق ولدت بيضة. فإلى أي طريق أصرف مرادك؟ إن الإنس لا تبيض. وقد زعم بعض الناس أن " إبليس " لعنه الله لما سخط عليه باض عشرين بيضةً! فلعل هذه العجوز عندك من ولد إبليس. أو لعلك ممن يصدق بالسحر الذي يجعل به الرجل حمارًا أو المرأة فأرة.
وكأني بك يعرض لك أن تحتج بحديث المرأة مع " هاروت، وماروت " وأن الله مسخها الزهرة. وبالحديث الآخر أن سهيلًا كان يهوديًا عشارًا باليمن. وهذه الأحاديث من قرية أهل الكتاب الأول، كثروا بها عند السفلة وأهل الجهل. ومن أحاديث الجاهلية أن الطاغوت الذي يسمى ذا الخلصة في اليمن، كان امرأة وكانت فاجرة ساحرة، فدعت غلامًا من أهل اليمن إلى نفسها فأبى عليها، فسحرته فصار نعامة. وكانت له أم صالحة فدعت عليها الله فمسخت حجرًا.
وقد قال بعض المفسرين أن اللات في قوله تعالى: " أفرأيتم اللات والعزى " كان رجلًا يلت السويق للحاج. ولا أدري لم استحق عندهم أن يمسخ حجرًا. وقد روى عن " ابن عامر " قاريء أهل الشام " أنه قرأ: " اللات والعزى " بالتشديد. فهذا يدل على ما تقدم من الحديث. ولا يمكن أن يستشهد على: اللات - إذا شددت التاء - بشعر، لأنه يلتقي فيه ساكنان، وليس هو جاريًا مجرى: التقاص والتذام والدواب، فيدخل في الموضع الذي دخلت فيه.
1 / 51