والقومُ من دونِهم أَيْنٌ ومَسْغَبةٌ ... وذاتُ رَيْدٍ بها رَصْعٌ وأسْلوبُ
فإِن ذا الكلبِ عَمْرًا خيرهم نَسَبًا ... بِبَطْنِ شِريانَ يَعوِي حوله الذيبُ
تَمشي النسورُ إِليه وهي لاهيةٌ ... مَشْيَ العَذارى عليهن الجلابيبُ
الطاعِنُ الطعنةَ النجلاءَ يَتبَعُها ... مُثعَنْجِرٌ من نجيع الجوفِ أُسْكُوبُ
والمُخرِجُ الكاعبَ الحسناءَ مُذعِنةً ... في السَّبْيِ يَنفحُ من أَردانِها الطِّيبُ
فاجزُوا تأَبَّطَ شرًّا لا أَبا لَكُمُ ... صاعًا بِصاعٍ فإِن الذل معيوبُ
وفهمت قولك في الأتان. ولو أنها أنثى الحمار الذي ذكره الله سبحانه فقال: " وانظر إلى حمارك " لما زاد على هذا الحديث. أفتدعي أنها أم حمار المسيح.، أم ابنته أم أخته؟ كيف للملكة التي في " جزيرة النساء " بأن تنال مثل هذا العمر؟ وهل تدري ما جزيرة النساء؟ هي جزيرة فيها ملكة لها جيش نساء ليس فيهن رجل. ويقال إنها تغزو وتحارب وتستظهر في كثير من المرار، ولا يدخل جزيرتها رجل ألبتة. ويقال إن المرأة منهن إذا أرادت الحمل خرجت إلى جزيرة أخرى فصاحبت من تختار من الرجال. وهذا حديث تناقله أهل العلم بالمسالك والممالك. ويقال إن ملكها باق إلى اليوم تخلف عليه امرأة بعد امرأة. وقد ادعي بعض الناس أن من شأن الهواء أن يلقح النساء في تلك الجزيرة فيحبلن ولا يحتجن إلى الرجال. فإذا ولدت ذكرًا أخرجته إلى جزيرة أخرى.
والقول الأول أصح وأشبه، وإن كان الله تعالى يقدر على كل شيء.
ولعلك، بجهلك، تظن هذه الأتان حمارة " بلعم " وهو الذي نزلت فيه هذه الآية: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين " وبم استحقت " حمارة بلعم " أن تعمر هذا العمر الطويل، والفقهاء يرون " أن النبي ﷺ أمر بقتل مثلها من البهائم؟ وفي أمر الحمارين اللذين ذكرت، عجب للمتأملين! أفتدعي أن أحدهما " يعفور " حمار النبي ﷺ، والآخر حمار " المسيح " ﵇؟ ويجب أن يكونا من آل هذه الأتان وأخويها لا محالة.
وقد قالوا في المثل: " أصح من عير أبي سيارة العدواني " ويقال إنه دفع عليه من " المزدلفة " أربعين سنة. وكيف للذائد والحرون وغيرهما من فحول الخيل أن تعمر مثل هذا العمر الطويل؟ وقد حكى أن الفيل الذي سجد ل " النعمان بن المنذر " عمر أربعمائة سنة، ولم يصح ذلك.
ولعل هذين الحمارين كانا مع " الإسكندر " في الظلمات فشربا من عين الحيوان فبقيا إلى اليوم. وكيف للإسكندر أن يكون وصل إلى هذه الفضيلة وقد جاء في الكتاب العزيز: " أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره " فجاء في بعض التفسير أنهكانت معهما سمكة مشوية فأكلا بعضها ثم قام أحدهما يتطهر فأصاب شيء من طهوره ما بقي من الحوت فرجعت إليه الحياة، فدخل في البحر، فأراد أن يحدث صاحبه، فنسى.
وقد روى غير ذلك، والله أعلم بيقين الحديث.
والجندي الأبح الذي زعمت أنه أقام أربعين سنة لا يذوق النوم، شيء لا يلمسه أحد لك. وهل في طاقة آدمي أن يقيم شهرًا الجاهلية يذوق النوم؟ وإذا سلب الغمض من العين فلا ثبات لحيوان على السهر. فكم تزعم أنه بقي على فقد النوم " حسان بن تبع بن الأقران بن الشمر بن إفريقس ابن أبرهة بن الحارث الرائش "؟ وكان " حسان " هذا قتل أخاه، وكان أخوه ملك حمير فظلمهم واشتدت وطأته عليهم. فاجتمع إليه أهل " مملكة أخيه وسألوه أن يريحهم منه ويأخذ الملك إليه. وكان في حمير رجل يقال له " ذو رعين " قد قرأ الكتب السالفة وأتاه الله بصيرة. وكانت حمير تزعم أنه من قتل أخاه غدرًا سلب منه النوم إلى أن يموت فنهاه " ذو رعين " عن قتل أخيه فلم يسمع منه وأصغى إلى ما يقوله أهل المملكة فكتب " ذو رعين هذين البيتين ودفعهما إلى " حسان ". والبيتان:
أَلا مَن يَشتري سُهْدًا بنومِ ... سَعِيدٌ مَنْ يَبِيتُ قَرِيرَ عَين
فإِنْ تَكُ حِمْيرٌ غَدَرتْ وخَانتْ ... فمَعذِرةُ الإلهِ لِذي رُعَيْنِ
1 / 50