ولئن عتبتِ لأَشربنَّ بواحدِي ... ويكونُ صَبْرِي بعد ذاك حلِيفي
ولقد شربتُ الخَمرَ في حانوتِها ... صهباءَ صافيةً بأَرضِ الريفِ
ألا ترى إلى تفضيله النعجة على الخروف، وتصييره إياها دون غيرها من المتلفات؟ وزعمت أن فرس الجندي نتجت خروفًا. وهذا مالًا يمكن إلا أن يكون الله قد مسخ الفرس شاة. وقد جاء في بعض الحديث أن رجلًا من بني إسرائيل كان من أزهدهم وأعبدهم، فجعلوه حكمًا بينهم لما عرفوه عنده من الأمانة. فاختصم إليه يومًا رجلان في عجل، وكان أحد الرجلين له حمارة، فمر بالعجل ضالًا في الطريق فأخذه. جاء صاحب العجل فعرفه في يد صاحب الحمارة. فلما صارا بين يدي الحاكم قال لصاحب الحمارة: من أين لك هذا العجل؟ قال: ولدته حمارتي. قال الحكم: لا أقدر أن أقضي بينكما في هذا اليوم لأني طامث. فإذا طهرت قضيت بينكما. قالا: وهل تطمث الرجال؟ قال: وهل تلد الحمير البقر؟ فعرف صاحب الحمارة أنه قد ظهر كذبه.
وادعيت أن الجند بخراسان يركبون الخرفان. وكذبت. قد سافرت إلى خراسان ورأيت الجند بها يركبون براذين غلاظًا قصار الأعناق.
وقد جئت بما هو أنكر من هذا فزعمت أن الظباء بنواحي البصرة تلد الجحاش. وأبعدك الله كيف تشتمل الظبية على جحش؟ وقد علمت أن ولد الحمار من الرمكة لا يسمى حمارًا ولا برذونًا، وأن ولد الذئب من الضبع لا يسمى ذئبًا ولا ضبعًا؛ بل يطلب للجنس المتولد من جنسين ما يخص به من الأسماء. فأي فحل ينزو على الظبية حتى يكون ولدها جحشًا؟ أحمار أهلي أم حمار وحشي وذلك متعذر في القياس؟ ولو صح ما ادعيته لجاز أن يصح ما ادعاه الأعراب في ولد " عمرو بن يربوع ابن حنظلة ": يزعمون أنه تزوج من السعلاة فولدت له أولادًا وأن أهلها قالوا له: إنك ستجدها خير امرأة ما لم تر برقًا. فكان " عمرو؟ إذا رأى البرق أسبل على السعلاة الستور. فغفل يومًا عنها ولاح البرق فقعدت على بكر من الإبل وقالت:
أَمْسِكْ بَنيكَ عمرُو إِني آبِقُ ... بَرْقُ على أَرْضِ السعالي آلِقُ
وذهبت، فكان آخر عهده بها. فقال " عمرو " شعرًا يقول فيه:
رأَى بَرْقًا فأَوضَعَ فوق بَكْرٍ ... فلا بكَ ما أَسالَ ولا أَغاما
- ذكر، وهو يريد السعلاة، لأنه قد ذهب إلى الخليل أو الحبيب أو نحو ذلك - فقد ذكر هذا الحديث " أبو زيد " في " نوادره وحكاه عن " المفضل بن محمد الضبي " واشتهر هذا الخبر في العرب حتى سموا ولد عمرو بن يربوع: بني السعلاة. قال الراجز:
يا قبَّحَ اللهُ بني السعلاةِ ... عمرَو بنَ يَربوعٍ شرارَ النَّاتِ
ليسوا بأَخيارٍ ولا أَكياتِ
وقد زعم بعض أصحاب الأخبار " أن " يلمقة بنت يلب شرح " وهي الملكة التي تسمى " بلقيس " كانت أمها من الجن. ومن الأخبار التي يرويها " ابن دأب " أن " معد بن عدنان " تزوج امرأة من الجن فجاءه منها ولد يسمى " الضحاك " وأنه لحق بالشياطين وهو الذي يسمى: المذهب، يعرض للقراء والمتنسكين يوهمهم أن طهورهم لم يصح، حتى يعيدوه.
ولست مصدقًا شيئًا من الأخبار، وإنما قابلت كذبك بمثله.
وذكرت أن راعيًا في البادية يحمل جحشه على يده ومعه جحشان لا يفارقانه، موقعهما على جنبيه.
ففي أي بادية تزعم ذلك؟ أفي بادية مضر، أم في بادية ربيعة، أم في بادية اليمن؟ وهبه حمل جحشه على يده، فكيف يكون معه جحشان موضعهما على جنبيه لا يفارقانه إذا رقد وإذا انتبه؟ لقد وصفت هذا الراعي بإلف الجحاش، فلعلك تزعم أن أباه كان حمارًا، فليس ذلك بعجيب من قولك.
وكأني بك، لسوء رأيك وفساد معقولك، تحتج بما تحكيه الفقهاء في المسألة المشتركة: هب أن أباهم كان حمارًا؛ وأي حجة لك في هذا؟ لا يدل هذا القول على أن الحمير تلد الأنيس. ولو ادعيت أن هذا الراعي كان يألف الجحاش ويربيها، لجاز أن يسمع قولك. لأن الإنس ربما سدك به بعض البهائم إذا أحسن إليه. وقد روي أن " عمرًا ذا الكلب الهذلي " إنما سمي ذا الكلب لأنه كان له كلب لا يفارقه أين ذهب. و" عمرة أخت ذي الكلب " هي الشاعرة الهذلية.
وكان " تأبط شرًا " وأصحابه قتلوا " عمرًا " فقالت أخته:
أَبْلغْ بني كاهلٍ عني مُغَلْغَلَةً ... والقومُ من دونِهم سَعْيًا ومركوبُ
1 / 49