ومن أين لك علم بالخزازين، وما بلدك بلد خز ولا قز؟ لو كنت ب " دمشق أو الكوفة " لجاز أن تدعى عرفانًا بالخزازين! ورب خزاز " بالكوفة " أجمع على صلاحه الناس.
وعظمت مذمتك للرجل إذا كان بزازًا خزازًا قزازًا. وما أنت وأهل هذه الصنائع؟ إنما حاجتك إلى عباءة من اللبد وصوف يملأ به قرطانك.
فإن استعملك صاحبك في حمل الوسوق فما أحوجك إلى إكاف! فأما الخز والبز والقز فشغله عنك الأغنياء من بني آدم. ولعمري إن الملوك ربما جللت الخيل الكريمة بالغالية من الثياب. فأما أنت ورهطك فما أبعدك من وشيٍ وحرير! وربما مسحت وجوه الخيل المجاهدة بالخر ونحوها.
ولما فتح رسول الله ﷺ " مكة " لقيته النساء يمسحن وجوه خيله بالخر يتبركن به ﷺ. فالتفت إلى أصحابه وهو يتبسم فقال: " كأن ابن الفريعة ينظر إليها " يعني قول " حسان ":
يُلَطِّمُهنَّ بالخُمُرِ النساءُ
وأما ذكرك الرجل الموصوف بالجفاء وغلظ البشرة وخشونة الملبس.
وزعمت أن الخز يدمي جلده. فإن كان ناعم يدميه، فلعل تلك خاصة في ذلك الرجل كما أن الجعلان تضر بها الرائحة الطيبة. فإن زعمت أن تلك عادة للخز معه، دون الوشي والحرير وغيرهما من الناعمات، فقد أحلت في إخبارك وناقضت.
وسمعتك أحللت قتل الخياط أينما وجد في طريق أو مسجد، ولم تقل في جماعة الخياطين إلا خيرًا. فكأنك ذهبت إلى الحديث المروي: " الواحد شيطان والاثنان شيطانان والثلاثة نفر ". وإلى حديث يروى عن " معاذ بن جبل " أنه قال: " عليكم بالجماعة فإن الذئب إنما يطمع في الشاة القاصية " وفي حديث " ابن الشنية " أنه قال: دخلت المسجد فإذا رجل ملتف بعباءة قاعد وحده وهو يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: " الوحدة خير من جليس السوء، وجليس الصدق خير من الوحدة، والسكوت خير من إملاء الشر، وإملاء الخير أفضل من السكوت " فسألت: من هذا؟ فقيل: " أبو ذر، صاحب رسول الله ﷺ ".
فكيف بلغت في عقوبة الخياط إذا نفرد، إلى القتل ولم تقتصر به على الزجر والتعزير؟ إنك لقليل المعرفة بالفقه. ربما كان الخياط ناسكًا قارئًا وبلى بمجالسة قوم أو غاب فاختار الوحدة ليبعد من أولئك القوم.
وقتل الخياط أيسر من أكل لحم الخباز والخبازة، لأنهما لا يؤكلان وهما في الحياة. اللهم إلا أن يكون أكل الميتة جائزًا في مذهبك عند غير الحاجة والضرورة. ولو عرف باعة الخبز هذا من رأيك، لما وصل أحد يعلفك ويسقيك إلى ابتياع قرص من بر أو شعير، حقدًا عليك وإنكارًا لما قبح من سريرتك. فكان يدرك نكدك من يسوسك.
وإن كنت عنيت بما ذكرت، الغيبة من قوله تعالى: " ولا يغتب بعضكم بعضًا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه ".
فإن الغيبة منهي عنها في كل الملل. وفي بعض الحديث: " ما كرهت أن تواجه به أخاك فهو غيبة " وفي حديث آخر: " اذكروا الفاسق بما فيه ".
فكأنك ذهبت إلى أن الخباز فسق فحلت غيبته للمغتابين. فأي فائدة في هذا القول؟ إذا صح هذا الحديث فكل من فسق من المسلمين لم تحظر غيبته على الناس.
وقد فهمت قولك عن القاضي الذي تتكلم " المضيرة بين يديه. ومن اجترأ على الكذب لم يرض منه بالقليل. لو جاز أن تتكلم المضيرة لجاز أن تخطب الهريسة فتقول إذا وضعت بين القوم: " رفقًا رفقًا، لقد لقيت من بني آدم بديعًا، إذ جمعوني من شت ثم جعلوني في قدر ولم يقتنعوا من بني آدم بديعًا، إذ جمعوني من شت ثم جعلوني في قدر ولم يقتنعوا لي بالنار والحطب حتى ضربوني بالمخبط كأني زانية أو مفترية، ثم قربوني بعد ذلك فأكلوني. الأكل سلجان والقضاء ليان، يا ابن آدم أكلًا أكلًا وشربًا شربًا. سوف يأكلك القدر ويشربك، ولك أجل كتاب ".
ولو خطبت الهريسة، لجاز أن تكون السكباج صاحبة خبر على طاهي السلطان، فتنهي إليه ما صنع في مطبخه من خيانة وتفريط.
ولو فعلت الصفصفة ذلك، لم يمتنع أن تغني الطباهجة، ولجاز أن يوضع الحمل على الخوان فيسأله الحاضرون لأكله: كيف كان تنورك؟ فيقول: كان حرًا منضجًا. ويخبر عمًا أخذه من الملح، أبقدر كان أم بسرف أم بتقصير؟ ويقول لبعض الآكلين: كل من موضع كذا مني فإنه أطيب وأنضج. ولجاز أن يخبر عن حرارة المدية وهل أحس برد حديدها في ودجيه؟ ولجاز أن يحدث عن حاله في السمط وهل كان الذي فعل به ذلك رفيقًا فيما صنع أم عنيفًا؟
1 / 47