وما زال في محن من أهل عصره. وكانت العامَّة ترميه بالنصب؛ مستدلِّين على ذلك بكونه عاكفًا على الأُمَّهات وسائر كتب الحديث عاملًا بما فيها، ومن صنع هذا الصنع رمته العامَّة بذلك، لا سيَّما إذا تظهَّر بفعل شيء من سنن الصلاة، كرفع اليدين وضمهما ونحو ذلك، فإنَّهم ينفرون عنه ويعادونه ولا يقيمون له وزنًا مع أنهم في جميع هذه الديار منتسبون إلى الإِمام زيد بن علي وهو من القائلين بمشروعية الرفع والضم. وكذلك ما زال الأئمة من الزيدية يقرأون كتب الحديث الأمهات وغيرها منذ خرجت إلى اليمن ونقلوها في مصنفاتهم الأول فالأول، لا ينكره إلَّا جاهل أو متجاهل.
وليس الذنب في معاداة من كان كذلك للعامة الذين لا تعلق لهم بشيء من المعارف العلمية؛ فإنَّهم أتباع كلِّ ناعق، إذا قال لهم من له هيئة أهل العلم (إنَّ هذا الأمر حق): قالوا: حق. وإن قال (باطل): قالوا: باطل.
إنَّما الذنب لجماعة قرأوا شيئًا من كتب الفقه ولم يمعنوا فيها ولا عرفوا غيرها؛ فظنوا لقصورهم أنَّ المخالفة لشيء منها مخالفة للشريعة؛ بل القطعي من قطعياتها، مع أنهم يقرأون في تلك الكتب مخالفة أكابر الأئمة وأصاغرهم لما هو مختار لمصنفها؛ ولكن لا يعقلون حقيقة ولا يهتدون إلى طريقة، بل إذا بلغ بعض معاصريهم إلى رتبة الاجتهاد وخالف شيئًا باجتهاده جعلوه خارجًا عن الدِّين، والغالب عليهم أن ذلك ليس لمقاصد دينية بل لمنافع دنيوية تظهر لمن تأمَّلها، وهي أن يشيع في الناس أنَّ من أنكر على أكابر العلماء ما خالف
1 / 10