============================================================
فلما كان فى بعض الأيام مر على آبيه وحوله ورراؤه وكبار دولته وأهل مملكته وعليه جبة صوف وعلى رآسه مثزر صوف فقال بعضهم ليعض لقد فضح هذا الولد أمير المؤمنين بين الملوك فلو عاتبه لعله يرجع عما هو عليه قال فكلمه في ذلك وقال ياينى فضحتنى بما آنت عليه فنظر إليه ولم يجبه ثم نظر الى طائر وهو على شرافة من شراريف القصر فقال أيها الطائر بحق الذى خلقك إلا جئت على يدى فانقض الطائر على كف الغلام ثم قال له ارجع الى موضعك فرجع الى موضعه فسقال بحق من خلقك إلا ما سقطت فى كف أمير المؤمنين فما نزل فقال له الغلام أنت الذى فضحتنى بحبك الدنيا وقد عزمت على مفارقتك ففارقه ولم يتزود منه بشىء إلا مصحف كريم وخاتم وانحدر إلى البصرة وكان يعمل مع الفعلة فى الطين وكان لايعمل إلا يوم السبت بدرهم ودانق يستقوت فى كل يوم دانقا قال أبو عامر البصرى وقد كسان وقع فى جدارى حائط فخرجت أطلب من يعمل لى فى الحائط إذ رأيت غلاما لم أر أحسن منه وجها وبين يدية رنبيل وهو يقرا فى مصحف فقلت له يا غلام اتعمل فقال ولم أعمل اللعمل خلقت ولكن أخبرنى فى أى الأعمال تستعملنى فقلت فى الطين فقال بدرهم ودانق وأصلى صلاتى فقلت لك ذلك ثم مضيت به إلى العمل وتركته يعمل فلما كان المغرب جئته فوجدته قد عمل عمل عشرة رجال فورنت له درهمين فقال يا آبا عامر ما أصنع بهذا وأبى أن يقبل فورنت له درهما ودانقا قلما كان الغد خرجت إلى السوق فى طلبه فلم أجده فسألت عنه فقيل لى انه لايعمل إلا يوم السبت ولاتراء إلا يوم السبت الثانى فأخرت العمل إلى السبت الثاثى ثم أتيت السوق فإذا هو على تلك الحال فسلمت عليه ثم عرضت عليه العمل فقال كمقالته الأولى فمضيت به إلى العمل فوقفت أنظر إليه من بعيد وهو لا يرانى فسأخذ كفا من الطين وتركه على الحائط وإذا الحجارة تتركب بعضها على بعض فقلت هكذا أولياء الله تعالى معانون فلما اراد آن ينصرف ورنت له ثلائة دراهم فأبى آن يقبل إلا درهما ودانقا فورنت له ذلك فلما كان السبت الثالث جئت إلى السوق فلم أره فسألت عنه فقيل لى له ثلاثة أيام وجع فى خرابة يعالج سكرات الموت فوهبت أجرة لمن يدلنى عليه ومشينا حتى وقفتا عليه فى خراب بلا باب وإذا هو مقشى عليه فسلمت عليه واذا تحت رأسه نصيف لبنة وهو فى حال الموت فسلمت عليه ثانية فعرفنى فأخذت راسه وجعلته في حجرى فمنعنى من ذلك وأنشا يقول : صاحبى لا تغترر بتنم فالعمر ينفد والنعيم يزول و اذا علمت بحال قوم مرة فاعلم بأنك عنهم مسثول واذا حملت إلى القبور جنازة فاعلم بأنك بعدها محمول
Page 53