درهما خوفا منك. قال: صدقت، وأنا لا أقدر أن أبيع ديني بدنياي. خرج الرشيد إلى بعض الرّساتيق «١» فتظلّمت إليه امرأة من جنده، فقال: ألا تقرئين كتاب الله: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها
«٢» فقالت: يا أمير المؤمنين أما قرأت: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا
«٣» . قال: صدقت. وأمر بإخراج العسكر من تلك الناحية.
قيل: كان توقيع المأمون هذه الكلمات: المظلوم موقوف على النّصرة وإن عقمت محنته، والظالم على مدرجة العقوبة وإن طالت مدّته، ولكلّ مدّة غاية، ولكلّ محنة نهاية، وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبادِ
»
. وجد في جيب يحيى بن خالد بعد موته في الحبس رقعة فيها: قد تقدّم المدّعي، والخصم في الأثر، والحاكم لا يحتاج إلى بيّنة. فلما وقف عليها الرشيد بكى وقال: والله صدق. تظلّم أهل الكوفة إلى المأمون من واليهم فقال: ما علمت في عمّالي أعدل منه وأقوم بأمر الرعية. فقال رجل منهم: يا أمير المؤمنين، فعلى أمير المؤمنين أن يولّيه بلدا بلدا حتى يلحق كلّ بلد من عدله مثل الذي لحقنا، وإذا فعل ذلك لم يصبنا منه أكثر من ثلاث سنين. فضحك وعزله.
قال ابن المبارك: هلك أبو جعفر وما عدل، وقد أعدّ بيتا للأموال التي أخذها من العمّال مصادرة وجعلها فيه، وكتب عليها أسامي أصحابها. فلما عزم على الحج قال لابنه المهديّ: إذا متّ فاردد على العمال أموالهم. ففعل، فأحبّه الناس. وفي رواية، قال: يا محمد قد هيّأت لك أمرا ترضى به الناس،
1 / 68