قرأت بخط الجمال البشبيشي: كان عفيفًا خيرًا، عديم الغرض في أمور الدنيا، صِفرًا من العلوم. وكان يوصف بالكِبْر المفرط والتعاظم، وما أظنه كان يقصد بذلك إلا عدم مداخلة الناس ليتستر بذلك عن وقوفهم على مرتبته في العلم، فيستر ذلك بذلك، وإلا فلقد كان دينًا.
ولما أراد السلطان السفر إلى الشام، طلب منه مالًا يقرضه من المودع الحكمي، فما أعاد عليه جوابًا، ثم عاد في المجلس الآخر، فاخرج من كُمه مصحفًا، وقال مخاطبًا للسلطان: سألتك بالله مُنزل هذا القرآن لا تتعرض لمال الأيتام. وإن كان لابد من ذلك، فهذا المنصب يوليه السلطان لمن شاء! فسكت عنه.
ثم لما عاد من السفر حصل بينه وبين الدوادار الكبير منازعة بسبب قضية تتعلق به، لم يقبل فيها شفاعة. فسعى فيه حتى صرف في سادس عشرين ذي الحجة سنة أربع وتسعين. واستمر بَطالًا إلى أن رحل إلى خطابة المسجد الأقصى.
وقرأت بخطه أيضًا: ولي الخطابة وتدريس الصلاحية، والإمامة في سابع عشر رجب سنة تسع وتسعين، فسار إليها، وباشر منجمعًا عن الناس،
مقبلًا على عبادته، فإنه كان يلازم قيام الليل، ويواظف على التلاوة، ويسرد الصيام، مع العبد عما يشين دينه.
قال: ولقد لزمته فما رأيت منه ما يعاب، سوى شدة الاحتجاب أيام ولايته القضاء، ومُقَيْرَة التي نسب إليها: بلد صغير من أعمال الكَرَك.
قلت: وهو جد صاحبنا الحافظ تاج الدين ابن الغرابيلي لأمه.
ثم لما شغرت خطابة القدس في سنة تسع وتسعين وسبعمائة طلبها من السلطان فأجابه، وضم إليه تدريس الصلاحية بالقدس. فتوجه إلى القدس. فباشرهما إلى أن مات في شهر ربيع الأول سنة إحدى وثمانمائة.
أحمد بن قاسم بن زيد الصِّقِلّي، القاضي الرشيد، الملقب عماد الأحكام، من المائة السادسة.
1 / 68