وقد حدث هو قبل ذلك ببلده بعد الثمانين. وولي قضاء الكرك بعد والده وعظم قدره، وأحبه أهل بلده حتى كانوا لا يفعلون شيئًا إلا مشورته، ولا يصدرون إلا عن رأيه. ومن كَرِه إقامته من النواب وغيرهم، أثار عليه العامة حتى يرحل هو البلد. وولي أخوه علاءُ الدين كتابة السر بها، فصار مدارها عليهم. ودخل القاهرة مرارًا، منها في سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة. فلما سُجن الملك الظاهر برقوق بالكرك خَدَمه. فلما تمكن وعادّ إلى السلطنة، قرر علاء الدين في كتابة السر بالقاهرة عوضًا عن ابن فضل الله، وعماد الدين في القضاء، عوضًا عن بدر الدين ابن أبي البقاء.
ولما ولي العماد القضاء باشر بصرامة، وإنفاذ للحق، وحكم بالعدل، وعدم التفات لشفاعة أحد، أو رسالة كبير أو صغير. وكان ممسكًا في بذلك المال، سمحًا
بالوظائف، فاستكثر من النواب وخصوصًا أولاد العلماء، فاستناب ولد شيخنا ابن الملقَّن، وولد شيخنا العراقي، وولد شهاب الدين العُرْياني، وولد فلان وفلان. حتى صار بعض الناس يقول: هذه دولة الأبناء.
وكان بالكرك فقير مغربي يقال له أبو عبد الله الركراكي، وكان يعادي القاضي، فقدم على برقوق فعرَفه، لأنه كان يلازمه بالكرك ويتروَّج عليه بالزهادة والدعاء ونحو ذلك. فلم يزل يغري السلطان بالعماد حتى صرفه عن القضاء، في ثاني المحرم سنة خمس وتسعين وسبعمائة.
ولما صرف من القضاء واستقر الصدر المناوي أبقى السلطانُ مع العماد تدريس المدرسة الصلاحية بجوار الشافعي، وتدريس الحديث بالجامع الطولوني. ونظر الصالح بجوار البيمارستان والتدريس الصالحي المذكر بالقبة، فاقتنع بذلك، وانجمع عن الناس، وأقبل على العبادة.
وكان يستحضر المنهاج. وهو أول من كتب له عن السلطان (الجناب العالي)، وذلك بعناية أخيه صاحب ديوان الإنشاء. فاستمرت لمن ولي القضاء بعده.
وكان إذ هو ببلده موصوفًا بالعفة والحرمة. ذكر لي الشيخ تقي الدين المقريزي. أنه سمعه يحلف - وكان بجواره - أنه لم يتناول في طول ولايته القضاء بالكرك وبالديار المصرية رشوة، ولا تعمد الحكم بشيء باطل.
1 / 67