ورأيه وصدقه، ونزاهته. فقال: جِئْ به يوم كذا. ففعل فكلّمه فوجده فَهمًا راجحًا. فقال له عما أراد أن يندبه إليه، فتلقى ذلك بالقبول. فقال له: أني أشهرك بولاية المظالم. وآمره بمشورتك في جميع الأحوال، فاظهر السرور بذلك والتزام جميع ما كلفه به. فجمع المأمون بين أبي إسحاق وابن أبي دُوَاد. فقال لأبي إسحاق: إنك تحضر بشخصك في هذا العسكر وفيه أوباش الناس وأخلاطهم. ولا بد للعسكر من صاحب مظالم. وقد اخترت صاحبك هذا، فضمه إليك وأحسن إليه. فقال أفعل. وتوجهوا فوافت كتب أصحاب الأخبار لما وصلوا بالأثقال. فقال المأمون ليحيى بن أكثم: ما بال صاحبك ما كتب إلينا شيئًا! أترى لم يحدث شيء قال: عسى. فوصلوا إلى الرحبة ولم يكتب شيئًا فتغيظ المأمون على يحيى فبادر فكتب إلى أحمد بن دُوَاد يعنفه ويستبطئه، ويخبره: إن أمير المؤمنين أنكر علي واتهمك فلم يُعد إليه جوابا. والمأمون يزداد على يحيى بن أكثم تغيظًا، ويحيى يبالغ في الكتابة إلى أحمد. فلما طال الأمر، أمر المأمون عمرو بن مسعدة أن يكتب إلى المعتصم يأمره أن يجهز أحمد بن أبي دُوَاد إلى الحضرة مشدودة يده إلى عنقه في الحديد على قِتْبٍ بغير وطاء. فلما قرأ المعتصم الكتاب أرسل إلى أحمد فرمى إليه الكتاب، وقد أظهر له الغم والحزن عليه، وقال له: هل تعرف لي ذنبًا عند أمير المؤمنين؟ فقال لا. إلا أن أمير المؤمنين لا يستحل هذا مني إلى بحجة. فما الذي عند الأمير فيما كُتب به إليه في، فقال: لا أستطيع مخالفة أمر أمير المؤمنين. لكن أعفيك من الغل والحديد، وأحملك على حال حسنة فقال: جزاك الله أيها المرء خيرًا. أتأذن لي أن أتوجه إلى منزلي صحبة من تثق به؟ فقال: نعم امض. وأرسل معه خادمًا فاستخرج تلك الكتب
التي كان يحيى يكتبها له في تعنيفه، فيما قصر فيه مما أمره به المأمون، من نقل أخبار المعتصم. فنثرها بين يديه، فلما قرأها عليه استشاط المعتصم غضبًا، وتكلم في يحيى بكل سوء. وقال لأحمد: لقد رعيت من حقي رعايةً لا أقوم بجزائها، ومعاذ الله أن أسلمك أو ينالك بسبب هذا سوء. وترك مراسلة المأمون فيما يتعلق بأحمد وطوى ذلك عنه. واستمر أحمد مع المعتصم حتى وصل إلى مصر. وذلك في سنة خمس عشرة ومائتين.
1 / 47