وإن قلنا: سكوتهما معناه: أنا نرى صدقك إنا نراه كاذبا وصدقك أنك(¬1)تراه بارا صادقا، كان هذا باطلا مردودا بقولهما: نعم. أي أن حديث "لا نورث" قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقدم أنهما إنما عرفاه من رواية أبي بكر مشافهة أو بواسطة كما قدمنا، فإن إقرارهما بالحديث وأنه قاله صلى الله عليه وآله سلم تصديقا لأبي بكر. إذ لا يجوز أن يصدقا ويقرا بأنه حديثه صلى الله عليه وآله وسلم وراويه عندهما كاذب، حاشاهما عن ذلك كيف وقد ثبت أن الوصي - رضي الله عنه - قال:وحدثني أبوبكر وصدق الحديث.
فإن قلت: فإن كانا يعتقدان أن أبا بكر صادق فكيف تركا الرد على عمر فيما نسبه إليهما من زعمهما أن أبا بكر كاذبا ؟ ونسبته ذلك إليهما باطل، ورد الباطل واجب سيما فيما فيه القدح في المؤمن.
قلت وقد شمل تصديقهما حديث "لا نورث" وأنه قاله صلى الله عليه وآله وسلم وعلماه من رواية أبي بكر لما قال لهما عمر في هذه القصة أنه قال أبو بكر لهما إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا نورث ما تركناه صدقة" قالا: نعم، فقولهما: نعم ، تصديق أنه قاله صلى الله عليه وآله وسلم عملا برواية أبي بكر، فتضمن ذلك الرد على عمر في أنهما يريان كذب أبي بكر وظلمه، إذ لا يصح إقرارهم شيئا منسوبا إليه صلى الله عليه وآله وسلم إلا وراويه صادق غير ظالم، وبهذا يندفع ما يقال: أنه كان يجب عليهما الذب عن سوء الظن بهما، لأنهما قد ذبا عن أنفسهما بطريقة بديعة سلما فيها عن مواجهة عمر بالتكذيب، بكلام تضمن رد ما قاله وبهذا اندفع الدليل الأول من دليلي الجلال، وهذا مبني على خلاف ما قدمنا من أن تلك الكلمات خرجت من عمر مخرج الاحتداد عند الخصام، بل هذا يباعد أنها مرادة له مقصودة. ... ... ... ... ... ... ...
Page 60