نعم، أي حد تقف دونه حركات طبع «الطبيعيين» ؟
قد يوجد بين الناس من تغره نعومة لمس هذه الأفاعي، وتروقه رقطة جلودها، وانتظام الرقش فيها، فينخدع لهم بما يلتبس عليه من أمرهم فيصغي لزخرف قولهم، ويظن أن هؤلاء القوم من طلاب التمدن والأعوان على الاصلاح، أو من الراغبين في بث المعارف، أو المنقبين عن الحقائق، أو يتخيل أن منهم من يكون عونا عند الضيق، أو عونا في الشدة، أو مخزنا للأسرار عند الحاجة، فذلك المغرور بمظاهر هذه الطائفة لا محالة يبكى عليه، ويضحك منه، فالضحك عجبا من غروره، والبكاء حزنا على ضلاله.
فتبين مما قررناه: أن الدين وإن انحطت درجته بين الأديان، ووهى أساسه، فهو أفضل من طريقة الدهريين، وأمس بالمدنية، ونظام الجمعيةالإنسانية، وأجمل أثرا في عقد روابط المعاملات، بل في كل شأن يفيد المجتمع الإنساني، وفي كل ترق بشري إلى أية درجة من درجات السعادة في هذه الحياة الأولى.
ولما كان نظام الأكوان، قد بني على أساس الحكمة، ونظام العالم الإنساني جزء من النظام الكوني، ألهم الله نفوس البشر أن تفزع إلى مقاومة أولئك المفسدين «الدهريين» في أي زمان ظهروا، ومدافعة ما يعرض من شرهم، كما ألهمهم الفزع من الحيوانات المفترسة، والنفرة من الأغذية السامة، وأنهض حفاظ النظام المدني الحقيقي - وهو الدين - لبذل الجهد، وإفراغ الوسع في محو آثارهم، واستئصال ما يغرسون من تعاليمهم.
لا جرم أن مزاج الإنسان الكبير - يعني عموم النوع - بما أودع الله فيه من الشعور الفطري - وهو أثر الحكمة الإلهية العامة - يمج هؤلاء الخونة، ولا يحتمل وجودهم في باطنه، فيدفعهم كما تدفع الفضلات من المعدة، أو الذنانة (¬1) من المنخر، أو النخامة من الصدر.
لهذا تراهم، وإن حلوا بعض منازل الأرض من زمان بعيد، وأيدهم بعض النفوس الخبيثة من ذوي الشوكة لأغراض سافلة، إلا أنهم لم يثبتوا، ولم يتم لهم أمر، بل كان عارض السوء منهم كسحاب الصيف، كلما ظهر تقشع، والنظام الحقيقي لنوع الإنسان - وهو الدين - لم يزل مستقرا راسخا، في جميع الأجيال، وعلى أي الأحوال.
Page 7