3 - الحكومة:
ليس بخاف أن قوة الحكومة إنما تأتي على كف العدوان الظاهر ، ورفع الظلم البين، أما الاختلاس، والزور المموه، والباطل المزين، والفساد الملون بصبغ من الصلاح، ونحو ذلك مما يرتكبه أرباب الشهوات، فمن أين للحكومة أن تستطيع دفعه، وأن يكون لها الاطلاع على خفيات الحيل، وكامنات الدسائس، ومطويات الخيانة، ومستورات الغدر؛ حتى تقوم بدفع ضرره؟!
على أن الحاكم وأعوانه قد يكونون - بل كثيرا ماكانوا - ممن تملكهم الشهوات، فأي وازع يأخذ على أيدي أصحاب السلطة، ويمنعهم من مطاوعة شهواتهم المتسلطة على عقولهم؟ وأي غوث ينقذ ضعفاء الرعايا وذوي المسكنة منهم، من شر أولئك المتسلطين وحرصهم؟
لا جرم قد يكون الحاكم في خفي أمره - رئيس السارقين، وفي جلي حاله قائد الناهبين، وأعوانه آلات يستعملها في الجور، وأدوات يستعين بها على الفساد والشر، فيعطلون من حقوق عباد الله، ويهتكون من أعراضهم، ويغنمون من أموالهم، يروون ظمأ شهواتهم بدماء الضعفاء، وينقشون قصورهم بمهج الفقراء، وبالجملة: يكون مبلغ سعيهم هلاك العباد، ودمار البلاد.
4 - الاعتقاد بالألوهية:
فإذن لم يبق للشهوة قامع، ولا للأهواء رادع، إلا الأمر الرابع؛ أعني الإيمان بأن للعالم صانعا، عالما بمضمرات القلوب، ومطويات الأنفس، سامي القدرة، واسع الحول والقوة، مع الاعتقاد بأنه قدر للخير والشر جزاء يوفاه مستحقه في حياة بعد هذه الحياة.
وفي الحق أن هاتين العقيدتين وازعان قويان يكبحان النفس عن الشهوات، ويمنعانها عن العدوان ظاهره وخفيه، وحاسمان صارمان يمحوان أثر الغدر، ويستأصلان مادة التدليس، وهما أفضل وسيلة لإحقاق الحق والتوقيف عند الحد، وهما مجلبة الأمن، ومتنسم الراحة، وبدون هذين الاعتقادين، لا تقرر هيئة للاجتماع الإنساني، ولا تلبس المدنية سربال الحياة، ولا يستقيم نظام المعاملات، ولا تصفو صلات البشر، من شائبات الغل، وكدورات الغش.
Page 5