فقصر النفوس على طريقة محدودة وتوقيف أهوائها عند حدود معينة، ومنعها من تجاوز حد الاعتدال في آثارها وأعمالها، وإرضاء كل ذي شهوة بحقه، وكفه عن الاعتداء والإجحاف بحقوق غيره، هذا كله إنما يكون بأحد أمور أربعة:
1 - إما أن يحمل كل ذي حق آلة حربه، فيخترط سيفه، ويعتقل رمحه، ويرفع ترسه، ويقوم ليله ونهاره، يقدم إحدى رجليه، ويؤخر الأخرى، دفاعا عن حقه.
2 - وإما شرف النفس، كما يزعمه أرباب الأهواء.
3 - وإما الحكومة.
4 - وإما الاعتقاد بأن لهذا العالم صانعا قادرا، محيط العلم، نافذ الحكم، وأنه يوفي كل عامل جزاء عمله، (من يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) (¬1) ؛ ثوابا جزيلا، أو عقابا وبيلا، في حياة بعد هذه الحياة.
1 - المدافعة الشخصية:
أما الأول: فبراز وضراب، ونضال وقتال، وجلاد تسيل به الأودية مهجا، وتخضل به الربى دما، وتتفانى به النفوس طلبا للحقوق أو دفاعا عنها، وتكون الدائرة للأقوياء على الضعفاء، حتى إذا قوي الضعفاء يوما ما ثاروا على الأقوياء، فلا يزال صاحب القوة يطحن الضعيف، والأقران يسحق بعضهم بعضا، إلى أن يعم جميعهم الفناء، وينقرض النوع الإنساني من وجه البسيطة.
2 - شرف النفس:
أما الثاني: فتقدم الكلام فيه ببيان شرف النفس، فهي صفة تنكب بصاحبها عن إتيان ما يذم عند قبيلته، وغشيان ما يقبح في نظر عشيرته، وتقابلها خسة النفس، وهي صفة لا يتأثر معها صاحبها من التشنيع، ولا تنفعل نفسه من التقبيح.
فتلك الصفة - أعني شرف النفس - ليست لها حقيقة معينة، ولاهي في حدود معروفة عند جميع الأمم حتى يمكنهم - بالمحافظة عليها - أن يقفوا بالشهوات عند حد الاعتدال.
Page 1