ويغادر نبتيون الموقعة ولكن بعد أن دمر الطرواديين تدميرا!
أندروماك
استطاع نبتيون أن يزلزل قلوب الطرواديين.
وحسبه أن يفر من ميدانهم مارس الجبار، وأن يفر في إثره أتباعه: آلهة الروع، وفينوس، أصل البلية التي حاقت بإليوم لينتقل النصر طفرة من جانبهم إلى جانب الهيلانيين.
وبرزت شمس اليوم التالي على الساحة الملطخة بآثام الإنسانية المضرجة بأوزار الآلهة، المصطخبة بأنين الموتى، لتشهد من جديد صراع الضغائن وتصاول الأحقاد، وأخذ السخائم بعضها برقاب بعض، وهذه الكتل البشرية يفني بعضها بعضا.
واشتد الهيلانيون في طلب الطرواديين، واستبسل هؤلاء، فكانت أمواج الغزاة تتكسر على صخور شجاعتهم، ولكنها لا تتلاشى.
وعظم الخطب، ومارت الأرض، وانعقد رهج الحرب مما تثير الخيل من هبوات، واشتجرت الهيجاء حتى لكأنها قطع من الليل، وصلصلت الدروع حتى لكأنها عواء ذئاب الجن، واستشرى الشر حتى لا ترى إلا إلى منايا وآجال، في قتال ونزال. وأحس جنود طروادة بلغوب الوغى، وشعروا بالرجفة تأخذهم من كل جانب، وكان هكتور العظيم يخطف كالبرق بين صفوفهم يحضهم ويحرضهم؛ بيد أن الشجاعة لا تغني في موقف الموت شيئا، فقد شرعت فيالقهم تتقهقر ببطء نحو الأسوار حتى إذا بلغوها لبثوا ثمة يصلون أعداءهم وابلا من السهام، والرماة يساعدونهم من فوق الأبراج.
لكن الهيلانيين ما تفتر لهم همة، ولا يصل إلى حماستهم كلال؛ فقد صمدوا في مواقفهم وثبتوا وصابروا، وأبدوا من ضروب البسالة واليأس ما حير ألباب أعدائهم، وجعلهم إلبا عليهم واحدا!
وفي عنفوان المعمعة لقي هيلانوس بن بريام الملك، أخاه المغوار هكتور يقصف بين الصفوف ويرعد، ويرغي بين المحاربين الصناديد ويزبد؛ وكان هيلانوس خير كاشفي الغيب وعرافي الطرواديين، وكان حبيبا إلى الآلهة، جميل الطلعة، بسام الثغر، حتى في الحرب، وكان إلى ذلك حازما موفور الحزم، صارما شديد الصرامة، يقهر الغير على احترامه، ولو كانوا يكبرونه سنا، فلما رأى هكتور يعبس العبوسة القمطرير لما يحيق بجنوده من أذى، ذهب إليه قدما، وقال: «أي أخي! أي هكتور العظيم!»
وما كاد هكتور يسمع النداء الحبيب حتى هرع إلى أخيه يلتمس في صدره الحنون بردا لحر تلك الجحيم التي لفحت شجعان طروادة بزفيرها، وصاح به: «هيلانوس! أنت هنا؟ ادع لنا آلهتك يا أيها العزيز! لقد كؤد النصر بعد إذ حسبناه في أيدينا أمس، ادع لنا آلهتك فقد عيينا بهؤلاء الهيلانيين الأبالسة!» «هكتور! أصغ إلي! لن تظفروا بهؤلاء ما دامت مينرفا معهم تؤيدهم، وتشد أزرهم، وترد عنهم سهامكم فتجعلها في نحوركم!» «هكتور! هلم إلى القصر يا أخي، فالق والدتك المرزأة ثمة؛ فتوسل إليها أن تذهب من فورها، مرتدية أبهى ملابسها إلى هيكل مينرفا، فلتبك عند قدمي تمثالها، ولتقدم الضحايا، ولتقرب القرابين، ولتحرق البخور المقدس، الممزوج بالأفاويه والصندل وطيوب الهند، ولتنذر أن تذبح اثنتي عشرة بقرة من خير أبقار إليوم، فتتصدق بلحومها، وتهب الكهنة شحومها، إذا وعدت ربة الحكمة أن ترفع مقتها وغضبها عن طروادة!»
Page inconnue