فلما سمع سيدهم صخر بن حرب ما قالوا له: قال لهم تأهبوا المسير جميعكم إلى حضرة جابر بن الضحاك الكندي، ونسأله عن ابنته المياسة.
قالوا: ثم إن القوم مضوا إلى منازلهم وتأهبوا للمسير، وما زالوا سائرين إلى حي بني كندة، فلما قربوا من الحي استقبلهم جابر بن الضحاك بأحسن استقبال، وذبح لهم الذبائح، ونحر لهم النحائر، وسكب لهم الخمور، فأقاموا مدة ثلاثة أيام بلياليها فلما كان اليوم الرابع أقبل جابر إلى سادات قريش وقال لهم: لماذا أتيتم؟
قال له: يا جابر، أنت تعلم أنا أولاد إبراهيم الخليل وسادة البطحاء وسكان زمزم والصفا، وقد جئناك راغبين ولابنتك خاطبين. فقام أبو جهل يخطبها لولده حنظلة، وخالد بن الوليد يخطبها لولده سلمان، وعمرو بن ود العامري يخطبها لولده عمار، والباقون كل منهم يخطبها لنفسه فارغب فيمن ترغب واطلب فيما تطلب، وقد أتيناك بكل ما تريد من الأموال والخيل والجمال ولك الرضاء، ثم إن أبا سفيان أنشد يقول:
ما في القبائل والعشائر مثلنا
فمن يقوم مقامنا في العالم
ولنا المفاخر والمكارم والعطا
والعدو فينا لا ترى من ظالم
قال صاحب الحديث: فلما سمع جابر بن الضحاك كلامهم هذا أطرق رأسه ساعة إلى الأرض وقال لهم: يا سادات قريش، اعلموا أنه ما بقي من العرب أحد إلا وقدم علينا وطلب ما طلبتم وسأل عما سألتم، فأنا أدخل عليها وأعرفها بما جئتم به، وأنتم أبطال البطحاء وسكان زمزم والصفا، وإنها آلت على نفسها ألا يملكها إلا من يقهرها في الميدان، ويرد سنانها في موقف الضرب والطعان، فأنا أدخل عليها وأسمع ما تقول وأرجع إليكم. قال ثم إن جابرا دخل على المياسة فوجدها تجلي درعها، فلما رأت أباها نهضت إليه وبسطت إليه بساطا فجلسا عليه معا ساعة زمانية، ثم قال: يا ابنتاه، اعلمي أنه ما بقي أحد من العرب إلا وقد قدم علينا، وقد أقبل إلينا سادات قريش من مكة يطلبون الزواج، مثل أبي جهل وعكرمة وعمرو بن العامري وعبد اللات والوليد وغيرهم من الأمراء، وقد أتوك خاطبين وفيك راغبين، فاختاري من شئت منهم. قال فلما سمعت المياسة كلام أبيها قالت: يا أبتي، وذمة العرب وشهر رجب والرب الذي إذا طلب غلب، لا يملك عناني إلا من يرد سناني في ميدان الحرب وموقف الطعن والضرب. ثم إنها قالت: يا أبتي، اخرج إليهم وأمرهم أن يركبوا خيولهم ويلبسوا لأمة حربهم ويبرزوا لي في غدوات غد إلى الميدان وإلى موقف الضرب والطعان، فمن كان منهم كفؤا كريما ويقهرني في حومة الميدان كنت له أهلا وكان لي بعلا، ثم أنشدت تقول:
قل لقريش السادة الأنجاب
قولا صحيح الرأي والصواب
Page inconnue